الاثنين، 29 ديسمبر 2014

بعض الجنائز ملغومة فانتبهوا يا أهل الكويت !

      اعتدنا في كويتنا الحبيبة الصغيرة بمساحتها وعدد سكانها والكبيرة بما قدمته لأهلها وللعالم ؛ اعتدنا وبكل أسف على اختلاق جنائز لنشبع فيها لطما ، وكل له أسبابه في تعزيز هذا الوضع ؛ فالحكومة تريد إلهاء الشعب عن فشلها التنموي والإداري وصراعات أقطاب بيت الحكم ؛ والمتكسبون يريدون تسليط الأضواء على ذواتهم اللا مصونة وحشد المطبلين خلف كل نكرة منهم ولو على حساب الوحدة الوطنية لأبناء الشعب الكويتي الذي شهد له تاريخه قبل وبعد ظهور البترول أنه أكثر شعوب المنطقة تسامحا وطيبة وقدرة على استيعاب من يَفِدُ إلى بلده ويتبنى قيم شعبها .

      ما لم نتنبه إليه وما زلنا غافلين عنه في غمرة انجرافنا الغبي مع هذه الموجة هو أن بعض الجنائز التي نختلقها قد تكون ملغومة وأن عملية لطمها قد تسبب انفجارات غير مرغوب فيها ولا تتحملها الكويت ، وما قصة الدكتور محمد الهجاري إلا أحدى تلك الجنائز المختلقة !

      حتى نبين للكويتيين حقيقة المسألة نوضح ما يلي :
أولا - إن قضية زواج المتعة التي كانت شرارة أزمة الهجاري هي قضية فقهية وليست عقدية ؛ وبالتالي فإن الاختلاف حولها اختلاف فقه لا عقيدة وهو اختلاف استوعب مجتمعنا الكويتي المتسامح ما هو أكبر منه فكيف لا يستوعبه؟
ثانيا - لم تكن قصة الهجاري أول حالة جدل حول زواج المتعة تحديدا ، فقد حصلت قبل سنتين قصة مديرة المدرسة الشيعية التي أتت بمعمم يحاضر لطالبات المدرسة الثانوية عن زواج المتعة وهي مسألة لا تخدم العملية التعليمية في شيء ، فكان أن هاجمتها نفس الأطراف التي تدافع اليوم عن محمد الهجاري ودافعت عنها نفس الأطراف التي تهاجمه ، فهل يمكننا بعد ذلك أن نصدق أن المسألة مسألة خلاف فقهي أو سؤال علمي؟
ثالثا - نقاشات ومناظرات بعض مشايخ السنة والشيعة دار فيها وعلى الفضائيات أمام العالم كله جدل حول أمور أكبر بكثير من زواج المتعة ، ومع ذلك لم يتم تضخيم المسألة لأن هؤلاء جميعا كانوا من الفريق الموالي للحكومة والرافض لما تم عام 2011  وأفضى إلى أقصاء رئيس الوزراء السابق !
رابعا - عندما غرد محمد الهجاري عام 2012 بما ذكره حول حسن نصر الله كان مجرد شخص مغمور وإن تسربل بلقب الدكتوراة التي لم تعد تعني لنا في الكويت شيئا وكلنا نعرف ذلك ، وكانت تغريداته ضمن عشرات ملايين التغريدات التي تشاتم فيها سفهاء المغردين سنة وشيعة ولا قيمة لها عند المشتومين من جميع الأطراف ، فلماذا تحيي وزارة الداخلية وفي هذا الوقت بالذات قصة تغريدات الهجاري؟

      بقي أن ننبه إلى أن الحديث عن تفاصيل أنواع الزواج في المجتمعات المختلطة بهذه الطريقة أمر غير محبب اجتماعيا في الكويت وهذا متفق عليه بيننا جميعا بغض النظر عن الآراء الفقهية التي يمكن تدارسها في مواضع وحلقات تدريسها لطلابها وطالباتها الذين اختاروا التخصص فيها ، أما أن تصبح قضية مفتوحة للنقاش تُطرح أمام اليافعين واليافعات من الشباب والبنات في أي موقف فهذا أمر مرفوض .
      على كل حال ؛ الذين سارعوا لوقف انتداب محمد الهجاري في كلية التربية هم خصومه المختلفين مع منهجه من السنة وليس خصومه الشيعة الذين لم يكونوا يعرفونه أصلا قبل حدوث هذه البلبلة المختلقة ، فعلى الشيعة أن ينتبهوا إلى أن هذه ليست معركتهم وَأَلَّاْ ينجروا إليها ، أما محمد الهجاري فله نقول : خير لكَ أن تعود مغمورا وغير معروف كما كنتَ قبل حدوث البلبلة ؛ ولو أنكَ لم تتوسع في النقاش مع الطالبة ولم تتجاوب مع جرأتها في إثارة مثل هكذا مواضيع أمامكَ لكان خيرا لكَ ، فلا تَنْسَقْ مع الموجة ولا تركبها فما قضيتكَ إلا فقاعة ستختفي سريعا ودور البطولة الذي تظن أنكَ قد أصبحتَ تلعبه لا يليق بكَ .

الأحد، 28 ديسمبر 2014

أنصفوا نبيل الفضل ں فقد قال شيئا من الحقيقة !

   "     موقفنا كمسلمين من الخمر واضح لا يحتاج إلى نقاش ولا يقبل الجدل ، فهي أم الخبائث وربنا سبحانه وصفها بالرجس وأمرنا باجتنابها وحُسم أمرها نهائيا .

 

        لكن ثَمَّةَ أزمة فكرية يعانيها مجتمعنا الذي يرتبط بالموروث كمرجع قيمي أكثر من ارتباطه بمقتضيات الدين ؛ هذه الأزمة تكمن في قصر مفهوم الانحراف على شرب الخمر والزنى دون غيرهما من الموبقات ، فمَن شاع عنه إدمان الخمر أو اشتهر بممارسة الزنى تتشوه صورته بينما لا تتشوه صورة تارك الصلاة رغم أن فعلته أكبر من شرب ألف بطل فوتجا أو ريدليبل ، كما لا تتشوه صورة المرابي والظالم وشاهد الزور وآكل حقوق الناس إلخ من الأفعال المشينة والتي لا يكتفي مجتمعنا بعدم استنكارها فحسب بل إن من أفراده من يبررها ويشجع عليها تحت بنود مختلفة !!!

 

        لذلك فإن أي ردة فعل مجتمعية تجاه المطالبة بالسماح ببيع المسكر أو تنظيم الدعارة إنما تحكمها العاطفة المندفعة تجاه تسجيل المواقف التي تبرز أصحابها في ثوب الطهارة والعفة كي تُغطى خفاياهم تحته ؛ وهذا تماما ما حدث في قصة المدعو نبيل الفضل حينما عزف من جديد على نغمته القديمة مطالبا بالسماح ببيع الخمور لكن هذه المرة أضفى على معزوفته صورة لحنية احترافية حين استطاع بذكاء استفزاز الناس بزعمه أن الخمر من عادات وتراث أهل الكويت !!!

 

        للأمانة أقول أن نبيل الفضل قد ذكر شيئا من الحقيقة ولم يكن كل كلامه خطأ ، فرغم أن شرب الخمر كفعل لم يكن أمرا محمودا في تاريخ أجدادنا الكويتيين إلى أن الخمور لم تكن ممنوعة من التداول في الكويت ، بل إنه في بداية فترة الطفرة كان فرع مصنع كريماكينزي الإنجليزي للخمور بمنطقة الخليج موجودا في الكويت وكان وكيل منتجاته تاجرا كويتيا شهيرا يُشار له بالبنان ويحظى باحترام شديد داخل وخارج الكويت ، ثم انتقل المصنع إلى البحرين وما زال موجودا بها حتى اليوم مما يدل على أن تداول وبيع الخمور كان جزءا من النشاط الاقتصادي في الكويت وأنه لم يكن مستنكرا كعمل تجاري بدعوى أنه كان يُباع على زبائن من غير المسلمين !!!

 

        إضافة إلى ذلك فإن الحقيقة التاريخية تقول بأن أولى الدعوات لمنع بيع الخمور في الكويت انطلقت عام 1963 م عبر صحيفة الرأي العام ؛ وتلك الدعوات لم يتصدرها التيار الديني وإنما تصدرتها أوساط تجارية لم تكن مسألة المحافظة على قيم الدين ضمن أدبياتها بل إن رموزها الفكرية كانت وما زالت على خصومة مع الإسلام كفكر وليس كتيارات سياسية فحسب !!!

 

        إن نبيل الفضل محق حينما قال إن منع بيع الخمر لم يقلل إقبال الراغبين في تناوله على شرائه أو البحث عن بدائل أخرى ، ولا شك أن نشاط تهريبه ومن ثم تسويقه يزداد سنة بعد سنة وقد أثبتت الوقائع عدم جدية الحملات الأمنية في ضبط وإتلاف الخمور ، فلمصلحة مَن إذًا تم إقرار منع بيع الخمر ولحساب مَن تُباع الأنواع الفاخرة من بطوله المهربة بأغلى الأثمان خاصة في مثل هذه الأيام من كل عام ؟؟؟

 

        ويبقى السؤال في النهاية : هل دور أعضاء ما يسمى مجلس الأمة المعترضين على ما طرحه زميلهم نبيل الفضل هو الاستعراض أمام وسائل الإعلام بثوب الطهارة والشرف وتوزيع التصريحات الرنانة على الخدمات الإخبارية أم أنهم مطالبون بتقديم طلب رفع حصانة عن زميلهم نبيل الفضل توطئة لمحاكمته إزاء ما وصم به أهل الكويت ؟؟؟  "

الاثنين، 15 ديسمبر 2014

الثور الأمريكي وحليب البقرة الخليجية

       أزمة أسعار النفط التي عصفت بدول مجلس التعاون الخليجي لم تبدأ مع انخفاض أسعاره كما قد يظن البعض؛ لكنها ارتبطت بالارتفاع غير الطبيعي في تلك الأسعار والتي وصلت إلى 140 دولارا للبرميل الواحد عام 2007 م!

       أسعار النفط لا تحكمها المعايير الأخلاقية للعرض والطلب وإنما تتحكم فيها سطوة الرأس مالية الأمريكية التي لديها استعداد لحرق العالم كله في سبيل مصالح أساطينها، وما الغزو البربري للعراق والذي حطم كيان الدولة العراقية وآثاره الماثلة بيننا اليوم إلا أحد أمثلة الانتهازية الرأس مالية الأمريكية، وقبل غزو العراق بأربع سنوات هوت أسعار النفط إلى سبع دولارات للبرميل وبلغت الأزمة ببعض دول مجلس التعاون إلى حد أن طالب أحد شيوخها مواطنيه بما سماه شد الحزام؛ طبعا شد الحزام على وسط المواطنين البسطاء فقط!
       وقتها قال المدير التنفيذي لشركة شيفرون النفطية الأمريكية إنه مستعد لجعل سعر برميل النفط أقل من سعر صندوق الطماطم ما لم تستجب دول الخليج لشروطه بالسماح للشريك الأجنبي بالتملك في القطاع النفطي، فجاب مدير شيفرون المنطقة وأخذ من شيوخها ما أراد، وبالتوازي مع ذلك خضع ساسة المنطقة للإملاءات الأمريكية وفتحوا أجواءهم وأراضيهم للقوات الأمريكية التي غزت العراق رغم أن ذلك التوجه الأمريكي كان خلاف قناعاتهم التي مارسوها في قمة بيروت العربية عام 2002 م!

       احتل الأمريكان العراق وسيطروا على نفطه بعدما حققته شركاتهم من نجاحات في ضغوطها التي مارستها على حكومات المنطقة فانطلقت أسعار النفط كالسهم خلال مدة وجيزة فحدث الارتفاع الذي ارتفعت على إثره أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية منها والكمالية وعمدت حكومات المنطقة إلى رفع رواتب مواطنيها كل على طريقتها ومع ذلك فقد اتسعت الهوة بين الطبقة الثرية من تجار وشيوخ وباقي مكونات الشعب مما ينذر بانهيار الطبقة الوسطى التي هي صمام أمان كل المجتمعات!

       توالت الأحداث بعد ذلك وفق السياق المعلوم لدينا جميعا ورافق ذلك تغيرات سياسية وانبعاث للحرب الباردة عزا الساسة الأمريكان حدوثه لاستقواء الروس بما حققوه من إيرادات بيع النفط وهذا غباء مستحكم من الأمريكان فالمسألة مرتبطة بطموحات بوتين وخطته الاستراتيجية من ناحية؛ ومن ناحية أخرى بتخبط السياسات الأمريكية واغترارها بأحادية القطب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق!

       اليوم تضغط أمريكا على دول مجلس التعاون الخليجي وتجبرها على انتهاج سياسات تؤدي إلى انهيار أسعار النفط وترافق ذلك مع حربها المزعومة على الإرهاب والتي تكلف دول المنطقة سياسيا واقتصاديا، وزاد انهيار البورصات الخليجية الطين بلة ليضع المنظومة السياسية الخليجية أمام أخطر تحدٍ في تاريخها!

       بعد وقف إطلاق النار بين العراق وإيران عام 1988 م تصرفت دول الخليج العربية بطريقة مشابهة وفق الإملاءات الأمريكية؛ فكانت النتيجة هي الغزو العراقي للكويت عام 1990 وما استتبعه من ويلات ودمار ليس على الكويت كطرف متضرر مباشر فحسب بل على كل دول مجلس التعاون الخليجي وأولها السعودية التي كانت خسارتها السياسية والاقتصادية استراتيجيا أكبر حتى من خسارة الكويت!
       اليوم يتحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني بنفس لغة صدام حسين التي سبقت غزو الكويت، لكن روحاني يتحدث كرئيس دولة لها مشروع سياسي وأصابع تتحرك بطول المنطقة وعرضها وقد أعدت إيران لمثل هذه الظروف عدتها، فأمريكا لن تنفع دول الخليج العربية إن تحركت إيران بردة فعل محتملة إزاء انعكاسات انهيار أسعار البترول عليها؛ بل إن أمريكا الآن تتفاوض مع إيران وليس مع دول الخليج، فهل وضعت أمريكا مع إيران خطة التغيير في منطقة الخليج وتفصيلها على المقاس الإيراني؟