الخميس، 9 أغسطس 2018

الورطة الكندية والخيبة الخليجية !

        باحترافية عالية أدار الساسة السعوديون أزمتهم مع كندا التي بات رئيس حكومتها وحزبه الليبرالي في ورطة ، فقد أوجعهم وقف دراسة 15 ألف طالب سعودي فقط لا غير يدرسون في البلاد الشاسعة شديدة البرودة قليلة السكان والتي يعتمد ناتجها القومي على العلاقات التجارية للقطاع الرأسمالي مع الأثرياء حكومات وشركات ، هذا ناهيكم عن المرضى السعوديين ومرافقيهم الذين سينقلون من كندا التي سيحرم سوقها من إنفاقهم العلاجي والاستهلاكي وحتى إشغالات العقارات .

        مع هذه الورطة يعلن ساسة كندا تمسكهم بموقفهم لكنهم يستجدون الوساطات من أصدقاء السعودية وأشقائها خلف الكواليس بينما ترفض الرياض الوساطات وفي الوقت نفسه تستثني صادراتها النفطية من إجراءاتها العقابية ضد أوتاوا التي لا يمكنها رغم ما تعرضت له من مذلة أن ترفض استيراد نفط السعودية باسم الكرامة الوطنية !

        إنها الورطة الكندية متمثلة في الضربة الموجعة التي تلقاها الحزب الحاكم والإحراج الذي وقع فيه الناخب الكندي المعجب برئيس الوزراء وحزبه تحت بند القيم التي حطمتها المصالح وأزالت جدار الوهم الذي كان يحميه الخطاب المعلن ويخفي وراءه حقيقة مرة مفادها أنه لا حقوق إنسان ولا بطيخ يمكن السماح لها بالتضحية بمصالح البلاد العليا ، لكن هل كندا وحدها مَن تورطت ؟

        العدد المهول للمبتعثين والمرضى السعوديين في كندا وحدها وهي ليست الدولة الرئيسية في استقبال هاتين الشريحتين بات يطرح تساؤلات ليس في السعودية فحسب وإنما أيضا في جاراتها الثرية ( الكويت وقطر والإمارات ) ، مضمون هذه التساؤلات يقول : لماذا يتغرب عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا وآبائنا وأمهاتنا في أصقاع الدنيا طلبا للتعليم والصحة على نفقة حكوماتنا التي تستطيع عبر ملاءتها المالية توفير أفضل الخدمات بأرقى المستويات على ذات الأرض التي تدر البترول وتجني مداخيله ؟

        إن المصالح التجارية وعلاقات القطاعات الرأسمالية لا تحكم كندا ومثيلاتها من الدول الغربية فحسب وإنما تتحكم أيضا في سياسات حكام دول ما كان يعرف بمجلس التعاون الخليجي والذين يبشرون برؤى المستقبل ويستضيفون الإكسبو والمنديال ( هذا إن تمت الاستضافة ) ؛ لكن المواطن في دول شريط النفط لا يعيش إلا أزمة سياسية طاحنة شحنت نفوس أهل المنطقة ضد بعضهم البعض وهي مرشحة للاتساع ولا يشهد إلا مشاريع تكتنفها شبهات الفساد وهو يعاني في كل تلك الدول رغم ما تصرفه له من رواتب في المستشفيات والمدارس والوزارات ومختلف المؤسسات وحتى في الشوارع وهو يتنقل بسيارته من انعكاسات سلبية لتردي الخدمات يشتكي منها كل يوم بل كل دقيقة ، أما كندا فرغم الورطة والفضيحة إلا أنها على الأقل وظفت ناتجها في تقديم خدمات محترمة لحاملي جنسيتها لأنها استثمرت في المواطن بينما حكومات دول شريط النفط تنفق عليه ولا تستثمر فيه ثم تحوله إلى مجرد كائن استهلاكي يمكنها وحلفاؤها من طبقة التجار استعادة ما أنفقوه على الشعب من جيبه عبر الغلاء وأخيرا الضرائب غير المبررة بكل سهولة !

        الأزمة مع السعودية أَفْضَتْ إلى ورطة كندية لكن ثناياها أماطت اللثام عن خيبة خليجية ، فمَن سيكون الخاسر على المدى البعيد ؟

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

احتمالات الأزمة السعودية الكندية

        ليست هذه المرة الأولى التي تنتقد فيها تقارير غربية من كندا أو غيرها ما تعتبره انتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية أو غيرها من دول الشرق الأوسط لكنها المرة الأولى التي ترد فيها المملكة بهذه الحدة على مثل هكذا تقارير !

        يأتي التصعيد الدبلوماسي والاقتصادي السعودي ضد كندا في ظل عاملَين هامَين : الأول هو عدم الارتياح الذي يشوب علاقة الرئيس الأمريكي ترامب برئيس وزرا كندا جاستن ترودو ، فرئيس الوزراء الكندي هو زعيم الحزب الليبرالي في بلاده والذي تتعارض منطلقاته خاصة في مسألة المساواة بين المواطنين مع ما يتبناه الحاج أبو إيفانكا من أفكار عنصرية أكسبته كراهية تتنامى عبر العالم يوما بعد يوم ، أما العامل الثاني فهو الترتيبات الاستراتيجية التي أرساها ترامب مع السعوديين لمصلحته طبعا بالدرجة الأولى لكنها كما يرى الساسة في الرياض تصب أيضا في مصلحتهم كونها ستؤدي إلى لجم التوسع الفارسي في منطقتنا والذي تسببت في دفع عجلته خيبات العرب المتتالية !

        في ظل العاملَين المذكورَين تستمر الحرب في اليمن بما تشكله من نزيف واستنزاف للسعودية ناهيكم عن الظروف الاقتصادية التي تمر بها المنطقة بعد إجبار دولها على الشروع بفرض الضرائب ثم تهديدها من قبل ترامب بخفض قادم كبير لأسعار البترول سلعة أهل الخليج العربي الرئيسية ، وفي ظل معطيات الوضع الراهن تحتاج السعودية إلى تحقيق نصر دعائي تظهر من خلاله على أنها تتحدى الضغوطات الغربية ولا تسمح للغرب رغم الصداقة بالتدخل في شؤونها السيادية فوجد متخذو القرار في السعودية ضالتهم فيما ظنوها النقطة الأكثر هشاشة وهي رئيس وزراء كندا وحزبه ، فاتخذوا إجراءاتهم بسرعة وكان لافتا التركيز على وقف التعاملات التجارية مع كندا وهو ما يعتبر في الغرب تهديدا للقطاع الرأسمالي المستفيد المباشر من الصفقات مع الدول الثرية ؛ لكنه أيضا يشكل تهديدا لقدرة المصانع والشركات الغربية على توفير فرص العمل والتي ترتبط في الغرب بالصفقات مع الدول والشركات المحتاجة لمنتجات مصانعه الضخمة ، هذا معناه استثارة نقمة الناخب الذي قد يخسر فرصة عمله أو لا يجد فرصة عمل أصلا ؛ وكلنا يعرف أن تسريح العاملين في مصانع الغرب أسهل من شرب الماء !

        بعد هذا العرض للمشهد المتعلق بالأزمة الكندية السعودية كما نراه يحق لنا التساؤل : ما هي الاحتمالات الواردة لمستقبل هذه الأزمة ؟
الاحتمال الأول – إصرار الحكومة الكندية وحزبها الليبرالي على التمسك بالموقف إزاء السعودية تحت بند المبادئ والقيم ، وبالتالي سيدخل جاستن ترودو وحزبه في مواجهة مع القطاع الرأسمالي والذي سيدعم المعارضة مستفيدا من نقمة الذين أثرت عليهم خسارة فرص العمل من الناخبين وبالتالي سيخسر الحزب الليبرالي الكندي أي انتخابات قادمة وهذا ما يتمناه ترامب ، وبعدها لن يكون من الصعب إنهاء المشكلة مع السعودية وكأنها لم تكن .
الاحتمال الثاني – أن تصدر الحكومة الكندية تصريحات مفادها أنه قد تم إساءة فهم موقفها وأنها حريصة على علاقاتها المهمة مع السعودية بما يشبه الاعتذار للسعوديين وطلب الصفح منهم ، وهذا الاحتمال في حال حدوثه سيشكل مادة إعلامية للتشنيع على رئيس الوزراء الكندي وحزبه وبالتالي فإن السيد جاستن ترودو بات بين مطرقة الاحتمال الأول وسِندان الاحتمال الثاني .
الاحتمال الثالث – أن يتمسك جاستن ترودو بموقف حكومته وحزبه ثم يحظى بدعم شعبي انطلاقا من أن كندا بقيمها ومبادئها لن تخضع لتهديد وابتزاز أثرياء شيوخ البترول ، ثم يتم تجديد الثقة للحزب الليبرالي في الانتخابات القادمة ويتعزز وضعه داخليا ومساندة الشعب له ، هذا الاحتمال وارد رغم أنه أقل قوة من الاحتمالين السابقين لكنه أخطر الاحتمالات الثلاثة ؛ فحدوثه يعني أن تغيرا فكريا بدأ يطرأ على الذهنية الغربية وأن بعث الروح في الأفكار التي طرحتها جماعة ( احتلو وولستريت ) التي اعتصمت قرب بورصة نيويورك عام 2012 وتبنت فكرة استئثار القلة الرأسمالية بالثروة قد تنبعث من جديد وبزخم أقوى ، حينها ستصبح كندا نقطة بداية النهاية للمنظومة الرأسمالية تماما كما كانت بولندا نقطة بداية النهاية للمنظومة الشيوعية الاشتراكية عندما اعتصم العمال في حوض غدانسك عام 1981 فأصبحت وارسو المدينة التي حمل الحلف الشيوعي اسمها على مدى عقود هي الحفرة التي تم فيها دفن ذلك الحلف وكانت أحداث بولندا عام 1981 مقدمة لسقوط سور برلين بعدها بسبع سنوات ثم إعادة توحيد ألمانيا وسقوط الاتحاد السوفيتي السابق ، فهل جاء دور المنظومة الغربية الرأسمالية لتسقط انطلاقا من كندا وحنقا على الحاج ترامب والذي يتصرف كبزنسمان لا كرئيس دولة عظمى ؟

        الله أعلم ، ما علينا سوى متابعة الأحداث لكننا نظن أن حصول الاحتمال الثالث لن يشكل مفاجأة فحسب وإنما سيكون بداية تغيير كوني ضخم ربما ستكون منطقتنا الأكثر تأثرا به بعد مركزه في الغرب .

الجمعة، 3 أغسطس 2018

امتداحهم كفر وفضحهم ليس غيبة !

        أكلة السحت الحرام من المرتشين وتجار الإقامات ومشيدي العمارات الاستثمارية في المناطق السكنية والمتورطين في عمليات غسيل الأموال ومروجي المخدرات والمسكرات إلخ من تلك الأصناف المعادية للتعاليم الدين وكل ما هو نبيل من قيم الإنسانية كلهم يندرجون في خانة واحدة .

        هؤلاء يأكلون أموال الناس بالباطل ، وهؤلاء يدمرون مجتمعاتهم ويعرضونها للمخاطر في سبيل الكسب المادي ، وهؤلاء عبر الإثراء السريع وغير المشروع يتقصدون نشر مظاهر البذخ والبطر التي تذهب بألباب ضعاف العقول منا وما أكثرهم فتنشأ نتيجة ذلك مشاكل أعقد من قضايا الشرق الأوسط والقرن الإفريقي وكوريا الشمالية ، وغير ذلك كثير من الشرور التي يبثونها ويتسببون في حدوثها .

        أمثال هؤلاء لا يجوز امتداحهم بعبارات مثل عبارة : " هذولا ريجيل جيدين " ، فامتداحهم بمثل هذه العبارة أو ما شابهها يعني ببساطة أن مَن امتدحهم يعتبر ارتكاب ما حرم الله فعلا جيدا وهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام ، كذلك فإن هؤلاء لا غيبة لهم بعد أن قامت الحجة عليهم وعرفوا نتائج ما تسببت به أفعالهم الدنيئة في المجتمع ؛ فلا بأس من فضح مَن ثبت بالقرينة تورطه منهم في تلك الأعمال والحديث عنهم في المجالس بالاسم وحث الناس على طردهم من الدواوين وعدم تزويجهم أو التبايع معهم أو تنفيعهم بأي شكل كان ، فقد أصر هؤلاء عمدا على نقض عُرَىْ الأخوة بيننا وبينهم وعليه فإن فضحنا لهم في المجالس لا يعتبر من الغيبة المحرمة .

        هكذا يجب أن يتعامل المجتمع مع تلك الفئة الخسيسة من أراذل ذرية آدم ، أما إذا اعتمد المجتمع أفعالهم على أنها شطارة وصار هؤلاء يوضعون في صدور المجالس فليس لهذا معنى إلا أن المجتمع بكبره مجتمع منحط وانتمائه لدينه مجرد هوية وطقوس ، أما القيم فليس له منها حظ بما يجعل أهل الجاهلية الذين كانوا يحفظون الذمم ويرعون العهود أفضل من أفراد مثل هكذا مجتمع !