باحترافية عالية أدار الساسة السعوديون أزمتهم مع كندا التي بات رئيس حكومتها وحزبه الليبرالي في ورطة ، فقد أوجعهم وقف دراسة 15 ألف طالب سعودي فقط لا غير يدرسون في البلاد الشاسعة شديدة البرودة قليلة السكان والتي يعتمد ناتجها القومي على العلاقات التجارية للقطاع الرأسمالي مع الأثرياء حكومات وشركات ، هذا ناهيكم عن المرضى السعوديين ومرافقيهم الذين سينقلون من كندا التي سيحرم سوقها من إنفاقهم العلاجي والاستهلاكي وحتى إشغالات العقارات .
مع هذه الورطة يعلن ساسة كندا تمسكهم بموقفهم لكنهم يستجدون الوساطات من أصدقاء السعودية وأشقائها خلف الكواليس بينما ترفض الرياض الوساطات وفي الوقت نفسه تستثني صادراتها النفطية من إجراءاتها العقابية ضد أوتاوا التي لا يمكنها رغم ما تعرضت له من مذلة أن ترفض استيراد نفط السعودية باسم الكرامة الوطنية !
إنها الورطة الكندية متمثلة في الضربة الموجعة التي تلقاها الحزب الحاكم والإحراج الذي وقع فيه الناخب الكندي المعجب برئيس الوزراء وحزبه تحت بند القيم التي حطمتها المصالح وأزالت جدار الوهم الذي كان يحميه الخطاب المعلن ويخفي وراءه حقيقة مرة مفادها أنه لا حقوق إنسان ولا بطيخ يمكن السماح لها بالتضحية بمصالح البلاد العليا ، لكن هل كندا وحدها مَن تورطت ؟
العدد المهول للمبتعثين والمرضى السعوديين في كندا وحدها وهي ليست الدولة الرئيسية في استقبال هاتين الشريحتين بات يطرح تساؤلات ليس في السعودية فحسب وإنما أيضا في جاراتها الثرية ( الكويت وقطر والإمارات ) ، مضمون هذه التساؤلات يقول : لماذا يتغرب عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا وآبائنا وأمهاتنا في أصقاع الدنيا طلبا للتعليم والصحة على نفقة حكوماتنا التي تستطيع عبر ملاءتها المالية توفير أفضل الخدمات بأرقى المستويات على ذات الأرض التي تدر البترول وتجني مداخيله ؟
إن المصالح التجارية وعلاقات القطاعات الرأسمالية لا تحكم كندا ومثيلاتها من الدول الغربية فحسب وإنما تتحكم أيضا في سياسات حكام دول ما كان يعرف بمجلس التعاون الخليجي والذين يبشرون برؤى المستقبل ويستضيفون الإكسبو والمنديال ( هذا إن تمت الاستضافة ) ؛ لكن المواطن في دول شريط النفط لا يعيش إلا أزمة سياسية طاحنة شحنت نفوس أهل المنطقة ضد بعضهم البعض وهي مرشحة للاتساع ولا يشهد إلا مشاريع تكتنفها شبهات الفساد وهو يعاني في كل تلك الدول رغم ما تصرفه له من رواتب في المستشفيات والمدارس والوزارات ومختلف المؤسسات وحتى في الشوارع وهو يتنقل بسيارته من انعكاسات سلبية لتردي الخدمات يشتكي منها كل يوم بل كل دقيقة ، أما كندا فرغم الورطة والفضيحة إلا أنها على الأقل وظفت ناتجها في تقديم خدمات محترمة لحاملي جنسيتها لأنها استثمرت في المواطن بينما حكومات دول شريط النفط تنفق عليه ولا تستثمر فيه ثم تحوله إلى مجرد كائن استهلاكي يمكنها وحلفاؤها من طبقة التجار استعادة ما أنفقوه على الشعب من جيبه عبر الغلاء وأخيرا الضرائب غير المبررة بكل سهولة !
الأزمة مع السعودية أَفْضَتْ إلى ورطة كندية لكن ثناياها أماطت اللثام عن خيبة خليجية ، فمَن سيكون الخاسر على المدى البعيد ؟