الأحد، 5 يوليو 2015

أنت كافر وأنا كافر !

       ما زالت تداعيات وتأثيرات العمل الإرهابي الجبان ( تفجير مسجد
الإمام الصادق ) تلقي بظلالها على واقعنا وعلى مشاعرنا ، وما الصلاة
الموحدة التي شهدها مسجد الدولة الكبير أول أمس إلا مثال على تلك
التأثيرات !

       التنافس الإقليمي غير الشريف في منطقتنا والذي انحصر بين
السعودية وإيران بعد أن أخرج الأمريكان العراق من معادلته بالقوة ؛ ذلك
التنافس المحموم لا يمكن للنظامين الحاكمين في الرياض وطهران إيجاد أصداء
له في دول المنطقة إلا من خلال طلائه بصبغة طائفية تجعل من السعودية
بمثابة ممثلة للسنة وإيران بمثابة ممثلة للشيعة ، وعن طريق تلك الصبغة
أوجد حكام طهران والرياض في كل دول الإقليم مشاعر جمدت عقولا لا يرغب
أصحابها بتبني حرية التفكير فبات الواحد منهم يعتبر انتقاد السياسة
السعودية إساءة للسنة وصار الآخر يعتبر انتقاد السياسة الإيرانية إساءة
للشيعة !

       بلدنا الصغير كان وما زال بحكم موقعه الجغرافي وتركيبته
اَلْإِثْنِيَّةِ أكثر دول الإقليم تأثرا بارتدادات أصداء الطلاء الطائفي
للصراع السعودي الإيراني ؛ ولولا ما حبانا الله به من خيرات النفط لسبقت
الكويت لبنان في اشتعال الصراع الطائفي بين أبنائها !

       يُضاف إلى ما سبق ذكره أن سياسة الدولة الكويتية ذاتها فشلت في
إيجاد المواطن المنتمي للبلد والذي يشعر بأن استقرارها مصلحة شخصية له
وليست مجرد صالح عام يتمثل في أبر تخدير يُحقَن بها الشعب كلما جرى حدث
فتنوي !

       لسنا معترضين على الصلاة الموحدة بين السنة والشيعة ؛ فالطائفتان
مسلمتان تؤمنان برب واحد ونبي واحد وتصليان باتجاه قبلة واحدة ، كما أن
الظرف الدقيق والحساس تطلب الدعوة لهذه الصلاة والتي أحسن سمو الأمير
رعاه الله صُنعا حين تواجد في مقدمة صفوفها ؛ لكن ماذا لو كانت تركيبتنا
اَلْإِثْنِيَّةِ في الكويت مكونة من مسلمين ومسيحيين كطرفين رئيسيين ؛ هل
سيكون بإمكاننا أن نقول بأننا أصحاب دين واحد ونؤمن بنبي واحد ونتجه في
صلاتنا إلى قبلة واحدة ؟؟؟

       في ماليزيا تجربة رائدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا نجحت رغم
وجود ثمانية عشر مِلَّةً يدين بها شعب يتحدث بسبعٍ وعشرين لغة لم يعرف
تاريخه الحديث أعمال عنف بين المسلمين والبوذيين أو بين الملايو والهنود
، لكن في نفس الوقت لا نسمع هناك حديثا عن الأخوة ولا تسويقا للوحدة
الوطنية في إعلانات كأنها تجارية ؛ كما ظل في ماليزيا المسلم يعتبر
البوذي كافرا لا يصاهره ولا يصلي معه والبوذي كذلك يعتبر المسلم كافرا
بالآلهة لا يصاهره ولا يصلي معه !

       في نفس الوقت تحيط بماليزيا أربع مشاكل ما بين طائفية وعرقية : (
اضطرابات بين المسلمين والبوذيين في جنوب تايلند وبورما * حرب المسلمين
والمسيحيين في جنوب الفلبين * اضطرابات عرقية في إقليم آتشي في أندونيسيا
* مشكلة تيمور الشرقية بين المسيحيين والمسلمين قبل استقلالها ) ، ومع كل
تلك المشاكل التي ترتبط بأعراق وطوائف موجودة ضمن مكونات
اَلْفُسَيْفِسَاْءِ الماليزية إلا أن أصداء تلك الصراعات لم تتردد في
ماليزيا ولم تتأثر تجربتها التنموية حتى مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت
بنمور آسيا عام 1997 م !

       نجاح التجربة الماليزية انعكست نتائجه على كل مواطن ماليزي بحيث
أصبح الحفاظ عليها مصلحة شخصية له ، لذلك فإن الماليزيين لم يؤثر فيهم
تكفيرهم لبعضهم البعض من الناحية الدينية والذي هو أمر واقع على الأرض
واستطاعوا ترسيخ التعايش فيما بينهم رغم حالة التكفير تلك ، فالحفاظ على
مصلحة الفرد باتت الهم الشاغل لكل ماليزي وقدمها الماليزيون على أي
اعتبار آخر ؛ لذلك لم يحتاجوا إلى صلاة موحدة ولا إلى طرح تنظيري مفرغ من
محتواه لمفهوم الوحدة الوطنية ولسان حال كل منهم يقول لأخيه : " أنتَ
كافر وأنا كافر ولا مشكلة في كفرنا " !