الخميس، 30 مايو 2019

شتان بين صلاة القيام وصلاة القمار !

        ورد في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شَدَّ مئزره وأيقظ أهله وأحيى ليله ، ولم يَرِد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرص على إيقاظ أهله لصلاة غير مكتوبة إلا في هذا الموسم العظيم .

        المواسم في هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي أُمرنا كمسلمين باتباعه إنما هي ميادين للاستكثار من الخير عبر العبادات المجردة ( صلاة * صيام * صدقة ) وغير ذلك من أعمال الخير ، لكنها أيضا مواسم لتعزيز مقتضيات تلك العبادات العظيمة عبر الخلُق القويم بكل أشكاله أمانة وصِدْقًا وعِفَّة جوارح ، فتلك المواسم ليست ساحة لعب قمار سنوي مع رب العباد والعياذ بالله من هكذا فكرة .

        أكثرنا في هذا الزمان يعيش في برجه العاجي وتغلفه الأنانية حتى يكاد يظن أنه هو الأَولى بالرعاية من دون البشر ، نشاهد هذا السلوك في الشارع والمجمع التجاري ودوائر العمل ومجالس تجمعات الناس وحتى داخل البيوت ، وأكثرنا لا توجد لديه نية للتوبة أو حتى مجرد التفكير فيها لكن أكثرنا أيضا يملأ المساجد رجالا ونساء في الحضور إلى صلاة القيام وتزدحم بهم المساجد أكثر ليلة 27 من رمضان على أساس أنها ليلة القدر وأنه إذا صلينا فيها خلف إمام صوته جميل ويتباكَى في التلاوة والقنوت لنبكي معه دون أن نعرف ما قال فقد عبدنا ربنا ألف شهر بما يبيح لنا التفلت من كل قيمة والتزام طوال حياتنا !

        يجب على الجميع أن يعلم أن التهجد أواخر الليل مشروع في رمضان وغيره لكن الشهر الكريم نُدِب فيه القيام أكثر من غيره لعظم الزمان المرتبط بركن عظيم من أركان الدين والمشتمل على ليلة هي خير من ألف شهر ينبغي تحريها ليس من باب تخصيصها بالعبادة فحسب وإنما كي تمثل دافعا للتمسك بمقتضيات العبادة كمنهج حياة ، فلو افترضنا جدلا أن رمضان شهر شمسي لا قمري وأن ليلة القدر ثابتة معلومة فإن إحيائها بالعبادة مع الإصرار طوال العام على أكل السحت وإيذاء الجار وارتكاب كافة المنكرات يعني ببساطة أن قيمة العبادة ستكون صفر من الثواني بدل ألف شهر !

        على فكرة : تحري ليلة القدر كما وجهنا لذلك نبينا عليه الصلاة والسلام يجب أن يتم في الوتر من العشر الأواخر ، والرسول نفسه صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أمرنا بإكمال العدة ثلاثين يوما إذا غُمَّ علينا ولم نستطع رؤية الهلال ، معنى هذا الكلام هو أن دخول رمضان يمكن أن يحدث حتى قبل أن نبدأ صيامه ؛ فإذا كان جو التاسع والعشرين من شعبان غائما فنحن لن نرى الهلال ونحن مأمورون بنص حديث الرسول صلى الله عليه وآله وصلم بإكمال العدة ثلاثين يوما لكننا لا نضمن أن رمضان لم يدخل في تلك الليلة الغائمة ولو دخل فيها لأمكن أن تكون ليلة القدر وفق حساباتنا في 22 أو 24 أو 26 أو 28 بل ربما ليلة 20 أيضا ، لذا فالعبادة يجب أَلَّاْ تُخصص بِلَيلة دون غيرها مثلما أنها يجب أَلَّاْ تنفصل عن منهج حياتنا وأخلاقنا ومعاملاتنا ، فَإِلَّم يتحقق ذلك واستمر وضع السواد الأعظم منا على ما هو عليه فإن صلاة الليل في العشر الأواخر ستتحول من صلاة قيام إلى صلاة قمار ، وشتان بين القيام خشوعا وتذللا بين يدي الله والمقامرة بعبادات شكليَّة موسمية هي من تخاريف الأديان الأخرى وليست من تعالِيم الإسلام .

الجمعة، 17 مايو 2019

يجب على السعودية كدولة أن تعتذر !

        استكمالا لما أوردنا في مقالنا السابق حول اعتذار عائض القرني عما سماها الصحوة الإسلامية وبعدما بَيَّنَّاْ حقيقة أن الإسلام إنما دعا إليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه وحده دون غيره من البشر مَن يؤخَذ منه ولا يُتْرَك وأنه لا قداسة لأحد كائنا مَن كان ولو أضفى عليه المجتمع لقب ( الشيخ ) نقول لعائض القرني وصاحب الليوان عبد الله المديفر ولمَن يملي عليهما وعلى غيرهما ما يجب عليهم أن يقولوه أن ما سميتموه صحوة إسلامية لا علاقة لها بالقرني ولم يكن هو المتصدر لمشهدها العميق في جذره التاريخي وبُعدِه السياسي والاجتماعي ، فعائض لم يبرز اسمه إلا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي ثم تسعينياته عبر كونه حَكَواتيا يستظرف بعض الشباب نكاته السمجة وأشعاره السخيفة ، أما دوره في الحديث عما كان يسمى جهادا في أفغانستان ثم البُوْسْنا فلم يكن سِوى صدى لسياسة السلطة في بلده التي تبنت هذا الطرح ووظفت كبار الموصوفين بأنهم مشايخ لتعزيز هذه الفكرة بشكل مباشر أو غير مباشر ، أما ما سُمِّيَت صحوة إسلامية فهي في بُعْدِها السياسي تعود لهزيمة التيار القومي الذي كانت واجهته مصر عبد الناصر وحينها لم يكن الطرح الديني في السعودية يحظى بشعبية في الوسط الاجتماعي حتى في دول الخليج العربي بل ولا حتى في العديد من مناطق المملكة ذاتها ، لكن بعد هزيمة عبد الناصر ثم ذهاب خَلَفِه السادات إلى القدس وصولا إلى توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل لم يجد المجتمع العربي المهزوم والمأزوم نفسيا أمامه إلا تبني فكرة ( الإسلام هو الحل ) والتي كانت شعار حزب الإخوان ومركزه مصر وليس السعودية .

        في تلك المرحلة ظهر في بلاد فارس التطرف الذي مَثَّلَه انقلاب الدجال خميني حيث اتجه مباشرة إلى تهديد الجوار العربي تحت شعار تصدير الثورة ، ولأن صورة خميني كانت تعبر عن تهديد شيعي فليس أمام الطرف المقابل إلا تبني صورة السني الموحد في مواجهة عقائد أهل الرفض وعُباد القبور ، وهُنا تجلى دور الطرح الديني في السعودية حين استقطَبت جامعاتها الدينية شبابا للدراسة فيها مِن كل أنحاء العالم الإسلامي وتلاقَىْ هذا المشهد مع قصة الجهاد المزعوم في أفغانستان الذي استخدمت فيه أمريكا بِدهاء سَذاجة المجتمع الإسلامي وكانت السياسة السعودية بكل إمكاناتها في خدمة هذا المشروع لمحاربة الوجود السوفييتي في أفغانستان والذي كانت إيران الخميني شريكة في محاربته إلى جانب السعودية رغم تصادم الطرفين على ساحة الخليج العربي ورغم الاختلاف الأيدولوجي بين التيار النجدي ( الوهابي ) والتيار الفارسي ( الخميني ) .

        بعد انقضاء تلك المرحلة ثم دخول العالم ما سمتْه أمريكا ( النظام الدولي الجديد ) من عتبة الغزو العراقي للكويت انتفت الحاجة لما كانت تُعرَف بالصحوة الإسلامية سياسيا في الجانب الظاهر على السطح وإن كانت الحاجة لاستثمار إفرازاتها الفكرية استخباراتيا ما تزال قائمة ، وفي هذه الأثناء لم يكن عائض القرني سِوى تاجر شعارات ونجم إعلامي فعن أي دور يعتذر ؟

        حقيقة الأمر هي أن السياسة السعودية في المرحلة الحالية اعتمدت وعلى لسان الأمير محمد بن سلمان نفسه أسلوب اقتلاع آثار ما جرى بعد عام 1979 م عبر تدميرها دون انتظار ثلاثين سنة أخرى ، واستقدام أشخاص مثل صالح اللحيدان أو صالح الفوزان وغيرهما ممَن بقي من أصحاب الفكر التقليدي لتسجيل مثل هكذا موقف أمر لا يليق بوقارهم المُفترَض وبالنظر لانتهاء دورهم وانتفاء قدرتهم على إحداث التأثير في المجتمع ؛ لذا كان عائض القرني هو المؤهل عبر ليوان المديفر في منصة الوليد بن طلال ( قناة روتانا ) لأداء هذا المشهد السخيف !

        بعد هذه الصورة والتي اختزلناها في هذه السطور ولو فصلناها ما وَسِعَها المقام نخلص إلى حقيقة مفادها أنه لا قيمة لاعتذار عائض القرني سواء أكان النهج الديني لما سُمِّيَت صحوة إسلامية صحيحا أَم خاطئا لأنه ليس لشخص القرني دور مؤثر فيه أصلا ، ثم أنه إن كان النهج الفكري لما سُمِّيَت صحوة إسلامية خاطئا فالواجب على السعودية كدولة قبل الشيخ فلان والشيخ علان أن تعتذر هي عما جرى في ثمانينيات القرن الماضي لأنه إنما تم برعايتها تشجيعا وتمويلا ، والله مِن وراء القصد .

الخميس، 16 مايو 2019

اعتذار عائض القرني بين الموقف الشرعي واستهداف الدين

        أثار اعتذار عائض القرني عما سماها الصحوة الإسلامية والتشدد الذي صاحبها ثم دعوته إلى ما سماه الإسلام الوسطي الذي دعا إليه الأمير محمد بن سلمان لغطا كثيرا ، واجتمع في هذا اللغط الطرح المغرض الهادف للنيل من الإسلام كدين وصدق نية بعض مَن أغضبهم كلام القرني وهم يدافعون عن دينهم إضافة إلى استغلال آخرين للحدث كي يطلوا بوجوههم عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل ناهيكم عن الحالة الأعم وهي مضيعة الوقت في الثرثرة لأن مجتمعنا يحب دائما أن تمدد له أي جنازة حتى يشبعها لَطْما ثم ينتقل إلى جنازة أخرى وهكذا .

        وسط كل هذا الزحام نرى أنه من المتوجب توضيح بعض الأمور لِنكون على درجة من الوعي تحفظ علينا ديننا ونحترم معها عقلَنا الجمعي إن كان ما يزال موجودا ، وأهم تلك الأمور هي :
1 – في عقيدة أهل السنة والجماعة لا يوجد أصلا مصطلح يسمى ( رجال الدين ) ، فهذا مصطلح نصراني يهودي وتبنته طوائف إسلامية لا تشكل غالبية أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحت مسمى ( المراجع العظام ) ، فليس عندنا مَن يدوم ظِلُّه أو يقَدَّس سره ولكن كما أعلنها الإمام مالك رحِمَه الله ورضي عنه وهو جالس في الحرم النبوي حين قال : " كل يؤخَذ من قوله ويُتْرَك إلا صاحب هذا القبر " ؛ وكان يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فالحجة على الدين من خلال أفعال البشر وأقوالهم لا تستقيم أبدا ولو كانوا من الصحابة الذين أثنى عليهم رب العزة والجلال في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة فكيف بمَن هم دونهم منزلة ؟ ، فأفعال وأقوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه هي الحُجة والمَحَجَّة ؛ فإذا وجدتم أيها المغرضون فيها تناقضا فبينوه أما مَن سِواه من البشر فيؤخَذ منهم ويُتْرَك .
2 – الإسلام هو ما حُفِظَ في كتاب الله وثبت من صحيح سُنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فمحمد بن عبد الله بن عبد المُطَّلِب هو مَن دعا إلى الإسلام وبين أن خير الأمور الوسط وليس محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولا غيره مع الاحترام للجميع ، لذا فالحديث عن إسلام وسطي دعا إليه شخص غير الرسول عليه الصلاة والسلام لا يَخرُج عن حالتَين إذا كان المتحدث في تمام عقله ؛ فإما أن يكون المتحدث من غير أهل السنة والجماعة وإما أن يكون قد باع دِينَه بعرَض من الدنيا حتى أخرجه التزلف والنفاق من دائرة أهل السنة والجماعة ، وفي كِلتا الحالتَين لا يحق لكَاْئن مَن كان أن يَحسِب أقواله وأفعاله على الدين وأهله .

        في مقالنا القادم إن شاء الله سنتحدث عما سماها عائض القرني صحوة إسلامية وعن قيمة اعتذاره عنها من عدمها ، فانتظرونا قريبا بإذن الله .