الموت حق ؛ ولقد بُشِّرَ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال له ربه : " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُوْنَ " ، علمًا بأن محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم كان أهم شخصية على مستوى خلق الله كلهم وليس البشر فحسب .
لقد تعامل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه مع وفاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفق مبدأ صارم وواضح هو : " مَن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ؛ ومَن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " ، وقد تبنى صحابة الرسول رضي الله عنهم أجمعين هذا المبدأ رغم أن فجيعتهم بفقد سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام لم ولن توازيها فجيعة بفقد أي إنسان كائنا مَن كان ، فلا يمكن لمسلم أن يدعي بوجود شخص أهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا محبة أحد لأحد كمحبة صحابته له عليه الصلاة والسلام .
مع إطلالة هذا اليوم ساقت لنا الأخبار نبأ وفاة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يرحمه الله إذ نعاه الديوان الملكي كما نعى مَن سبقه من الملوك فإنا لله وإنا إليه راجعون ، كما نادى الديوان الملكي بسلمان بن عبد العزيز آل سعود ملكا للمملكة العربية السعودية وأخيه الأمير مقرن وليا للعهد .
لقد وقع هذا الحدث في ظل أخطر التحديات التي تواجهها المنطقة عامة والمملكة العربية السعودية خاصة ، فلا يخفى على أحد ما يدور في المحيط الإقليمي للمملكة وشقيقاتها الخليجيات كما أن اللجلجة حول خلافات الأسرة المالكة في السعودية لم تعد خافية أيضا وباتت أطراف من داخل الأسرة المالكة الكريمة تتحدث عنها بلغة خطاب غير معهودة في العلاقات البينية داخل بيت الحكم السعودي !!!
بالتأكيد ليس التحدي الذي يواجه السعودية ويواجهنا جميعا كذلك التحدي الذي واجه أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قُبيل وبُعيد وفاته حيث ارتد معظم العرب في وقت كان فيه عود الإسلام لا يزال طريا ؛ لكن صدق اليقين لدى الصحابة الكرام والإخلاص للدين كان هاديهم لاتخاذ القرار الصحيح في مواجهة تحدي الردة وألهمهم الصواب في التعامل مع الخلاف الخطير الذي نشأ بينهم بعد وفاة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام ؛ ذلك الخلاف الذي طالما تمنى أعداء الإسلام نشوبه تماما كما يعول أعداء السعودية اليوم على نشوب الخلاف داخل بيت حكمها ، فصحابة محمد صلى الله عليه وآله وسلم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ودار بينهم ما دار من خلاف حول مَن يتولى السلطة ؛ لكن خاتمة ذلك الخلاف كانت بالكلمة الفصل التي قالها بشير بن سعد حينما بايع عمر بن الخطاب أبا بكر الصديق رضي الله عن الجميع ؛ فقد قال بشير بن سعد بشأن الصديق : " رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا فكيف لا نرضاه لدنيانا ؟ " ، ولأن صحابة محمد عليه الصلاة والسلام لم يكونوا طُلاب دنيا ولأن المصلحة العامة كانت هي المقدَمة عندهم على كل مصلحة أو رؤيى أو اجتهادات هنا وهناك فقد كانت كلمة بشير بن سعد كفيلة بإقفال باب الخلاف لترسو الأمة بفضل ربها على كف صِدِّيْقِهَاْ ثم تواصل نهوضها وفتوحاتها ، ولولا فضل الله ثم تلك الروح الصادقة لدى الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين لما كُنا نحن اليوم في ظل كل هذه الفتن نعيش متمسكين بالإسلام .
إن لآل سعود الكرام وغيرهم فيما فعل الصحابة رضي الله عنهم لأسوة حسنة إن كانوا يريدون المحافظة على إرث أبيهم وجدهم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود يرحمه الله ، ونحن في هذا المقام نسأل الباري عز وجل أن يرحم الملك عبد الله ويغفر له وأن يوفق الملك سلمان وولي العهد الأمير مقرن وكل فاعل ومؤثر في صناعة القرار السعودي إلى ما فيه الخير والصالح لبلدهم وأمتهم ويلهمهم انتهاج السياسات التي تخدم شعبهم والمسلمين وفق إرادة مستقلة وسلوك رشيد يكون الصالحون المصلحون الأخيار من أبناء شبه جزيرة العرب هم مَن يدلهم عليه وينصحهم به وليس المغرضون المتربصون من أعداء المملكة والأمة ، ولله الأمر مِن قبل ومِن بعد .