ما يجري في المشهد السياسي الكويتي من مهازل وصلت إلى حد ابتداع آلية للتصويت على الميزانيات في ممرات البرلمان بدلا من بحثها ثم التصويت عليها تحت قبته والتي تمثل بحق براءة اختراع كويتية ما هو إلا حصيلة نهائية لممارسات أتاحها دستور عقيم لسلطة شراكة التجار والمشيخة .
هذه الحقيقة يعلمها مسبقا كل مَن ينوي الترشح لأي انتخابات مجلس أمة في الكويت منذ عام 1963 وحتى يومنا هذا ، لكن الذي جرى هو أن سلطة شراكة التجار والمشيخة قد اختلفت آلية عملها حيث كانت المشيخة حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي كيانا موحدا في المجمل رغم بعض الخلافات بينما لم يكن الطرف التجاري كذلك لا بالأمس ولا اليوم ، لكن منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بدأ الضعف يدب في كيان المشيخة حيث بلغ مداه عام 2006 والذي شهد زلزالا هائلا لم تتوحد بعده أطراف كيان المشيخة حتى تلك التي كانت متوافقة في آلية التعامل مع ما جرى عام 2006 ، أما الجناح المتغلب في القطاع التجاري فقد أحسن استغلال الفرصة وفَعَّل بشكل أكبر شراكة التجار والمشيخة بل أصبح هو الطرف الأقوى في هذه الشراكة !
شعور الأطراف الفاعلة في المشيخة بالضعف جعلها هي وما تمتلكه من صلاحيات إصدار الفرمانات أسيرة لرغبات وسياسات الجناح المتغلب من التجار وهو ما كان يعلمه تماما عبيد الوسمي قبل ترشحه للانتخابات التكميلية والتي طبَّل وزَمَّر محبوه لِنتيجتها غير المسبوقة من حيث حسبة الأرقام ، لكن ماذا بعد ؟
دخل عبيد الوسمي المجلس على أشلاء بدر الداهوم التي قطعتها يد الجناح المتغلب من التجار وقطعت معها أشلاء الجسد القضائي الكويتي ، وقد علق محبو الوسمي عليه آمالا كبيرة وكأنه بطل المشهد الأخير في فيلم هندي ، لكن ما جرى هو أن دكتور القانون وبقية زملائه المتمسكين بمسمياتهم الرسمية كنواب أصبحوا شهود زور على عار المرحلة الحالية الخطيرة في تاريخ الكويت ولم يجدو لهم حيلة سوى النياحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث أطل عبيد الوسمي عبر تغريدة في تويتر يعتذر فيها للشعب أصالة عن نفسه ونيابة عن زملائه عن عدم قدرتهم على التصدي للفساد والممارسات اللا دستورية ، وقد ختم الوسمي تغريدته باقتباس جزء من آية قرآنية تقول : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " !
إنك تعلم مسبقا يا دكتور عبيد أن هذا هو وسعها قبل نزولك الانتخابات التكميلية والعاصفة الإعلامية التي صاحبت قرارك هذا ، والمجلس المُبْطَل عام 2012 الذي كنت أنت عضوا فيه يشهد بذلك في وضع كان نسبيا أهون مما نحن فيه ورغم ذلك لم يستطع أحد أن يوقف عجلة انحدار الحال السياسي في البلد حتى بلغ مرحلة العُهْر ، فبناء على ذلك ولكونك تعلم الحقيقة مسبقا فإن اعتذارك مرفوض يا دكتور عبيد .