الأحد، 29 مايو 2022

اللحى العفنة واللحى المحشومة : مَثَلٌ مع وقف التنفيذ !

        الأمثال الشعبية منها ما هو عُصارة تجارب حياة مَن أطلقوها لتسبح عبر السنين مع الأجيال ومنها ما ارتبط بِحَدث عام أو شخصي ومنها ما قد يكون جاء على سبيل الدعابة وتناقلته الأجيال استلطافًا لما فيه من دُعابة .


        “ لِحْيَة اِحْشِمْها ولِحْيَة اِحْشِم نفسك عنها “ ، مثَلٌ شعبي شهير جدا يمثل عُصارة تجارب مَن أطلقه وهو يدعو إِلى إنزال الناس مَنازِلَهُم ؛ فمَن أثبت بِسُلوكِه وحسن أخلاقه استحقاقه للاحترام وجب تقديره فهو بذلك يكون صاحبَ اللِحْيَة التي يجب أن نَحْشِمَها بمعنى أن نحترم صاحبَها ، أما مَن كان سَيئَ الأخلاق وعديم الحياء ومُؤْذيا لخلق الله فعلينا تحاشيه أو مجاراته ليس احتراما له ولكن تقديرا لأنفسنا كي لا يَنالُها شرَه .


        العجيب أن هناك نقطة اِلْتقاء في الحالتَين اللتَين تحدث عنهما صاحب المَثَلِ ومُفادها عدم المزاحمة والمُصادَمة ، فمَن نَحْشِمُه لا نُزاحِمُه باعتباره أهلا لأن يملأ الساحة ومَن نَحْشِم أنفسنا عَنْه لا نُصادِمُه كي لا يَفْضَحَنا فنَتْرُك بذلك له المجال كي يقول ما يَشاء ويفعل ما يُريد !


        بالتأكيد لم يقصد صاحب المَثَلِ تكريم الحالة الثانية وإنما رمى إِلى حماية أنفسنا من أذى أراذل البشر ، لكن الأمور جرت مع الزمن على غير ما أراد قائل المَثَلِ ؛ اللحى التي تجب حِشْمَتُها صارت مع بقية الناس تَحْشِم نفسَها عن أصحاب اللحى العفنة والذين صاروا مع مرور الزمن أصحاب الصوت العالي والبارزين في المجتمعات ، بل إن كثيرا منهم أصْبَح مَحسوبًا على مَن يستحقون الحِشْمَة وصارت الأمثال تُضْرَب بِتَمَيُّزِهِم وطيب أفعالهم وغدت مُصادَمَتُهُم عيبا ليس من باب حِشْمَةِ النفس عَنْهم وإنما من باب إكرامهم وتقديرهم ، فصارت الساحة خالية للأراذِل من البشر وصار الأفاضل يختَفون عن البروز فيها بل وصار بعضهم يساهم في تقدير أصحاب اللحى العفنة !


        لَو كان صاحب المَثَلِ حيا بيننا اليوم لَتراجَع عن مَقُولَتِه وقال : “ لِحْيَة اِحْشِمْها واحْشِم نفسك معها ولِحْيَة اِتْفِل عليها وعلى مَن حَشَمْها “ ، والكرامة والحشيمة لكل مَن قرأ هذه السطور .

الاثنين، 9 مايو 2022

كيف يجب أن تتعامل الدولة مع جمع التبرعات ؟

        دائما ما ترتبط دعوة القادرين من أفراد المجتمع للإنفاق والتبرع بالخطاب الديني وهذا أمر طبيعي ، فالدعوة لبذل المال وهو عديل الروح كما يصفه المثل الدارج لا يمكنها أن تجد طريقها للنفس إلا مع إيجاد الدافعية للمُزَكِّي أو المتصدق أو المُخَمِّس كما هو معمول به عند الشيعة .

 

        إلى هنا وكل شيء مفهوم بعيدا عن اختلاف المذاهب أو اعتناق الواحد منا لأي مذهب ، لكن بالنسبة للدولة وهي الكيان السياسي الذي يُفْتَرَض أن يكون مذهبه مصلحته وأداة تحقيقها الحفاظ على أمنه فإن المقبول فقط هو أن تذهب التبرعات أيا كان مسماها إلى المستحقين من المعوِزين عبر تمويل برامج تغذيتهم وتعليمهم وعلاجهم وتقديم ما يحتاجونه من خدمات ، والتأكد من ذلك لا يمكن تحقيقه إلا عبر المتابعة الدقيقة والتقارير المصورة لنتائج ما حققته تلك التبرعات وإلا فإنها ستكون محاطة بشبهة الاحتيال والاستغلال لعواطف الناس .

 

        حينما يتم دفع التبرعات لأية جهة عبر الشخص الموكل له جمعها فنحن أمام أربع احتمالات ، الأول هو أن يكون الشخص الموكل له جمع الأموال مرتبطا بتنظيمات معينة ومُلْتَزِما بخدمتها ؛ والثاني هو أن يكون ذلك الشخص مُحْتالا يجمع المال لمصلحته وحسابه ؛ والاحتمال الثالث هو أن يكون جامع المال شخصا ساذجا اختار أن يكون مُجَرَّدَ وسيط يوصل المال للجهات المستفيدة دون أن يطالب القائمين عليها بدلائل مادية على توظيف الأموال في مصارفها المطلوبة ؛ أما الاحتمال الرابع وهو ما نريده فهو وصول أموال التبرعات إلى مستحقيها وظهور آثارها على حياتهم بمختلف جوانبها .

 

 

        بالنسبة للاحتمال الثالث يعد الأخطر ذلك لأن مُتَلَقِّي التبرعات يبدو طيبا مسكينا والناس ستثق به على هذا الأساس بينما هو ساذج وملعوب عليه ، أما في حالة الاحتمالَين الأول والثاني فإن جامع أموال التبرعات لن يقبل أبدا بإشراف الدولة على أعماله لأن ذلك ببساطة سيكشف حقيقة ارتباطاته أو عمليات النصب التي يمارسها ، وبناء عليه فإن خضوع أية دولة لِجَعْجَعَاْت مَن يرفض إشراف الدولة على عملية جمع التبرعات وإيصالها للمحتاجين يعني أنها دولة فاشلة غير مؤتمنة على أمنها القومي فكيف تكون مؤتمنة على أمن مواطنيها ؟

 

 

        مخلص الكلام هو أن الإشراف على جمع أموال التبرعات ومتابعة حركتها بالكامل لا يجب أن يكون مُجَرَّدَ قرار مسؤول سواء كان وزيرا أو مديرا وإنما ينبغي أن يكون جزء من ثوابت الدولة ، وإذا اعترض أي شخص على ذلك بحجة أنه تضييق على العمل الخيري أو أنه ممارسة طائفية تستهدف طائفة ما فهو إما خائن أو مُحتال وفي الحالتَين هو مُجْرِم تجب محاكمته ، وكل مَن يدافعون عنه هم مثله تماما أيا كانت دوافعهم .

 

الأربعاء، 4 مايو 2022

موقف عثمان الخميس بين تصحيح المفاهيم وتأصيل الثوابت

        شهدت ليالي شهر رمضان الفائت بعد سنتين من الإغلاقات ومنع التجمعات والخوف من كورونا ولائم أهل الكويت التي تعرف بالغبقات ، وبعض تلك الغبقات عادات اجتماعية تجمع الأهل والأصدقاء بينما دخل عليها شكل آخر هو غبقات التبطر والاستعراض وكفران النعمة خلافا لِقِيَم الشهر الكريم ، لكن ما استجد أخيرا هو الغبقات السياسية والتي تهدف إما للترويج لشخصية صاحب الدعوة أو تسجيل نقاط في صراعاته ومنافساته الشريفة وغير الشريفة مع خصومه ، وليست غبقة مرزوق الغانم استثناء من هذه التجمعات السياسية .

        حضور الشيخ عثمان الخميس غبقة مرزوق الغانم تلبية لدعوته وظهوره اللافت في الصورة معه أثار لغطا بين مهاجمي الخميس من أدعياء الليبرالية الذين ليست لهم مهمة في الحياة إلا تخطئة كل ذي لحية وثوب قصير أو من خصوم مرزوق الذين وضعوا كل مَن لبى دعوته في خانة الارتزاق أو ربما من بعض الأقلام الشيعية التي ترى في عثمان الخميس خصما قديما لها ، وبالمقابل هناك مَن دافع عن موقف عثمان الخميس إما إنصافا باعتباره لبى دعوة شخصية هو غير مسؤول عن تصرفاتها أو تحزبا للخميس ومناصرة له شخصيا .

 

        لسنا هنا في معرض الهجوم على عثمان الخميس أو الدفاع عنه لكننا نريد توظيف الواقعة في تصحيح مفاهيم وتأصيل مبادئ على النحو التالي :

   أولا – لا يوجد في الإسلام مفهوم يسمى ( رجال دين ) فليس في الإسلام رهبانًا ولا حاخامات ولا كهنة ولا توجد قداسة لأي شخصية تحت بند هذا المفهوم .

     ثانيا – مصطلح ( المطاوعة ) هو اصطلاح اجتماعي ارتبط بانتشار الجهل حينما كان الناس يطلقون مسمى المطوع على مَن يدرس أطفالهم فك الخط ، ولا علاقة للموقف الشرعي بهذا المصطلح الدارج اجتماعيا والذي تم سحبه في زماننا هذا على أصحاب اللحى والثياب القصيرة وهو ما يدل على أننا ما نزال في فترة الجهل والتخلف .

   ثالثا – شريعة الإسلام لا تقبل تصنيف المسلمين إلى متدين وغير متدين ، فالتكاليف الشرعية الواجبة متحتمة على الجميع وما نهى عنه الدين الحنيف يحرم على جميع المسلمين دون استثناء ، فليس من العدل وضع أصحاب اللحى والثياب القصيرة تحت المجهر وحدهم دون غيرهم وتصيد أخطائهم بل ربما اختلاق أخطاء لم يرتكبوها أصلا .

     رابعا – العلماء مقدرون في الإسلام لكنهم ليسوا مقدسين ، وهذا التقدير لا يخص علماء الشريعة وحدهم وإنما كل مَن اشتغل بعلم ينفع الناس وصدق النية في القول والعمل فهو مقدر ، وهذا التقدير لا يُخْرِج العلماء من طبيعتهم البشرية فهم عُرضة للخطأ في الاجتهاد وهُم عُرضة للضعف والافتتان ، فلَو افترضنا أن سينًا من علماء الشريعة أخطأ أو فُتِن فإن ما وقع منه لا يجوز اعتباره حُجة على الدين الذي أرسل الله تعالى به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم للناس كافة .

 

        هذا ما وجب توضيحه حسب اجتهادنا المتواضع ، أما موقفنا فيمكن قراءته بين السطور ، والله مِن وراء القَصد .