الجمعة، 26 أغسطس 2016

الاستدانة خيانة !

    في أعقاب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عاد إليها بعد أسبوع ولي
العهد الشيخ سعد العبد الله وتلاه بأسبوع آخر الأمير الشيخ جابر الأحمد
رحمهما الله ، سجد الشيخ جابر على أرض المطار سجدة شكر لله في حين كان
يرى بعينيه دخان نار الحقد الأسود يتصاعد من آبار شريان الكويت ( النفط )
ويكلفها ما يقارب 120 مليون دولارا يوميا ؛ وكان مشهدا مؤثرا حقا لا يمكن
نسيانه .

     مع تصاعد دخان نار الحقد العراقي من آبار النفط الكويتية كانت
بطبيعة الحال الصناعة النفطية في البلاد مشلولة وكان مركزها المالي
يُرْثَىْ له بعد أن نهبها لصوص العراق من داخلها وسرقها لصوص الكويت من
خارجها !

     كانت حصة الكويت من حقل الخفجي وعوائد الاستثمارات الخارجية التي
لم تطلها أيدي لصوص الكويت هي التي صرفت على الشعب والبلد إلى أن تعافت
الصناعة النفطية من آثار العدوان العراقي ؛ وكان من الطبيعي أن تضطر بلد
في ظروف كالتي مرت بها الكويت إلى الاستدانة من بنوك عالمية ، ومع كل تلك
الصعوبات أسقط الأمير الراحل الشيخ جابر يرحمه الله كل ديون المواطنين
ومنح كل صامد 500 دينار فضلا عما مُنِحَ للكويتيين في الخارج إبان فترة
الاحتلال ؛ كما تم إسقاط كل فواتير الكهرباء حتى تاريخ 14/2/1992 م ولم
يتم رفع أسعار المحروقات مُداراة للشعب الكويتي الذي عاش فترة الغزو
الغاشم ما بين الصمود واللجوء وقدم في سبيل وطنه كوكبة من الشهداء
والشهيدات .

     بعد ما يقارب الخمس سنوات من تحرير الكويت استكملت البلاد سداد
كامل ديونها للبنوك العالمية ؛ ومر اقتصادها منذ ذلك الحين في حالات جزر
ومد ارتبطت بوضع سوق النفط وكان أصعب الأعوام على الكويت هو عام 1999 م
حيث وصل برميل النفط إلى قرابة سبع دولارات واضطرت الحكومة إلى زيادة
محدودة في أسعار المحروقات وروجت بعض الأوساط السياسية لشعار ( شدوا
الحزام ) ، ومع ذلك لم نسمع عن استدانة لا من بنوك محلية ولا من بنوك
عالمية .

     بفضل الله تعافت السوق النفطية منذ عام 2002 م وتصاعدت أسعار النفط
حتى بلغت 140 دولار عام 2009 وأدرت على البلاد خيرات كانت كفيلة بالتغطية
على الفساد المالي أمام المواطن البسيط على الأقل ، وما زالت الكويت تنعم
بآثار خيرات ارتفاع أسعار النفط في السنوات الماضية رغم تدنيها المفاجئ
الذي هوى بها في العام الماضي إلى 20 دولارا للبرميل !!!

     تحسنت أسعار النفط هذا العام نسبيا مقارنة بالعام الماضي وباتت
قريبة جدا من الأسعار التفضيلية التي كان يُباع بها نفط الكويت لبعض
الدول الآسيوية ( 50 دولارا للبرميل ) إبان فترة انتعاش السوق النفطية أي
بما يزيد قليلا على ثلث سعر برميل خامات أوبك ، كما رفعت الحكومة أسعار
البنزين ورسوم بعض الخدمات مما حقق توازنا جيدا لخزينة الدولة أكدته
كرستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي !

     في ظل هذه الظروف الجيدة رغم عدم مثاليتها لا تحتاج بلد مثل الكويت
إلى استدانة من بنوك محلية ولا عالمية ؛ إلا أننا نسمع اليوم لَطْمًا
ونوحا على الحالة المالية للدولة وحديثا عن استدانة مبالغ مليارية بفوائد
فلكية ستقوم بها حكومة الكويت من بنوك محلية يُديرها علية القوم وأخرى
عالمية يُديرها بعض ربعهم من الخواجات وربما كان بعض علية القوم عندنا
يملكون أسهما فيها !!!

     لقد قبلنا بقرار زيادة سعر البنزين وتفهمناه ودافعنا عنه لأنه صحيح
؛ أما الاستدانة من البنوك فإنها تمثل شكلا بشعا من أشكال الخيانة للكويت
لأنها ببساطة تعني دفع عشرات المليارات كفوائد للدائنين خلافا لأصول
الديون ذاتها ، لذلك فإن الاستدانة في ظل عدم حاجة الكويت إليها تعتبر
قرارا غير أمين يصعب تصنيفه في خانة حسن النية وسوء التقدير !!!

     إن كان رفع سعر البنزين وبعض رسوم الخدمات إضافة إلى تحسن أسعار
النفط لا تكفي لمعالجة آثار تدنيها في العام الماضي فإن الحل يكمن في
تقليل الهدر ، فهناك لجان تتشكل في كافة وزارات ومؤسسات الدولة تقوم
بأعمال يمكن إنجازها أثناء فترة الدوام الرسمي ؛ فلا حاجة إذًا لتشكيلها
والإنفاق عليها ، وهناك مسؤولون يتم منحهم سيارات من الحكومة مع كوبونات
بنزين ونجد سيارات الدولة التي يقودونها متوقفة عند الجواخير والشاليهات
وحتى جبرة الخضرة ؛ فبأي حق يُمنح هؤلاء السيارات والبنزين المجاني ؟

     وهناك أوجه أخطر للهدر معروفة لدى صُناع القرار يجب وقفها فورا إن
كانت النوايا مخلصة ؛ إذ بوقفها تعمر خزينة الدولة وتعود إليها مليارات
كثيرة بدل أن تدمر تلك الخزينة بديون مليارية تجعل من الكويت العزيزة
ذليلة مكبلة بفوائد يتعدى رقمها أصل تلك الديون !

الاثنين، 22 أغسطس 2016

#نرفض_زيادة_سعر_البنزين : مزايدة رخيصة !

   ما زالت بقايا كتلة ما سُميت أغلبية مجلس 2012 المبطل الأول ورغم
تشرذمها وتخليها عن ثابتها الأساس وهو مقاطعة الانتخابات ؛ ما زالت بقايا
تلك الكتلة تتبنى شعارات المزايدات الرخيصة في خطابها للمواطن ، وآخر تلك
الشعارات هو ذلك الوسم ( Hashtag ) السخيف واللا أخلاقي
#نرفض_زيادة_سعر_البنزين !

    هذه الحفنة المفلسة ومَن انجرف خلف خطابها من المتكسبين المرتزقة
والبسطاء المساكين على حد سواء تطرح حجة لموقفها هذا لا تقل سوء عن
الشعار ذاته ؛ هذه الحجة مُفادها أنه ما دامت الحكومة غير قادرة أو غير
راغبة في مواجهة الفساد فعليها أَلَّاْ ترفع سعر البنزين ، ويقول هؤلاء
بأنه لو أن الحكومة حاربت الفساد فعلا وبدأت في إصلاح حقيقي فإنه لن يكون
هناك مانع من زيادة سعر البنزين ؛ لكن في ظل الوضع الحالي لا يجوز التوجه
لجيب المواطن حسب تعبيرهم !!!

    كلام هؤلاء البلهاء حوى دون أن يشعروا اعترافا منهم بأن الدولة
بحاجة ماسة إلى رفع سعر البنزين ؛ وربط هذه الزيادة بخطوات إصلاح لم
يحددوها ما هو إلا استغفال لعقول بسطاء المواطنين الذين لا يريد الواحد
منهم تفويل سيارته بسبع دنانير بدلا من أربعة !

    نقول لهذه الحفنة المفلسة بأن الفساد مستشرٍ فعلا في إدارة الدولة
وأن استمرار البنزين بسعره الحالي هو واحد من مظاهر هذا الفساد الذي يجب
علينا اجتثاثه ، والفساد لم يستشرِ في الدولة بفعل الشيوخ والمقربين منهم
فحسب كما يحلو للبعض أن يصور الأمر ولكنه مستشرٍ أيضا في أوساط الشعب
الذي يمارس كثير من أفراده الفساد في أعمالهم بوزارات الدولة وكذلك في
أعمالهم الخاصة ومن أبرزها تجارة الإقامات والتي ينشط في سوقها كثير من
أدعياء الوطنية ومحاربة الفساد !

    ما دامت السالفة هاشتاغات فسأطرح عليكم اقتراحات أفضل من هاشتاغكم
إن كنتم حقا تريدون محاربة الفساد :

    #الامتناع_عن_السفر_إلى_لندن : لندن هي عاصمة بريطانيا التي تؤوي
المجرم فهد الرجعان سارق أموالنا ؛ ومقاطعتنا للسياحة والدراسة والعلاج
فيها سيكلف حكومتها الكثير وربما يجبرها على اعتقال الرجعان وتسليمه
للسلطات الكويتية ، فهل ستتبنون هذا الهاشتاغ أم أن السفر إلى العزيزة
لندن مقدس بالنسبة لكم ؟

    #محاربة_تجار_الإقامات : هؤلاء المجرمون هم سبب رئيسي للمغالاة في
أسعار الخدم وانتشار الجريمة بكافة أشكالها في البلاد ؛ وتقصير الحكومة
في محاربتهم وتفعيل التشريعات التي توقفهم عند حدهم واضح للعيان ، فهل
ستضغطون باتجاه محاربتهم أم أن أكثركم ما بين مستفيد من هذه التجارة
الخبيثة أو قريب لمستفيد منها لا يريد أن يخرب عليه ؟

    مثل الهاشتاغين سالفَي الذكر وما شابههما هي الشعارات التي يجب
رفعها لمحاربة الفساد أن كنتم صادقين ؛ أما زيادة سعر البنزين فإنها حاجة
اقتصادية واجتماعية وربما سياسية لبلد بات فيه الوافد الذي يتقاضى 30
دينارا كراتب قادرا على شراء قرمبع خربان يخرج به إلى الشارع ويحمل عبرية
بمبالغ زهيدة خارج إطار القانون مما يؤثر سلبا على وسائل النقل المرخصة !

    الحمد لله أن الحكومة أصرت على موقفها وتركت تويتر وهاشتاغاته
للمفلسين ، فأهلا بزيادة سعر البنزين والفال لمخالفات المرور التي نتمنى
زيادتها إلى خمسة أضعاف مع ملء شوارع الكويت كافة بالكاميرات والرادارات
؛ واللي يمشي عدل ما راح يخاف ولا يتضرر .

الأربعاء، 17 أغسطس 2016

خطيئة القبائل الصغيرة والحصاد المر !

وقع ما حذرنا منه بالفعل ؛ وها هو نظام الصوتين سيئ الذكر يطل برأسه كما
ورد في تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الأمة !

     منذ إعلان نتيجة انتخابات مجلس 2013 م ووصول مرشحين من أبناء
القبائل قليلة العدد إلى الكرسي الأخضر بموجب تكافؤ الفرص الذي كفله نظام
الصوت الواحد حذرنا أهلنا الذين احتفلوا بنجاح مرشحيهم من الحديث بلغة
المنتصر على أساس ما يسمى كرسي القبيلة ، وقبل الانتخابات كُنا قد
حذرناهم من الوقوع في خطيئة أي شكل من أشكال التصفية القبلية ( الفرعيات
) وطالبنا الجميع بتقديم طروحات واضحة ومحددة لتحقيق الإصلاح الشامل في
البلاد أولا ثم لخدمة كل أبناء دوائرهم ثانيا وفق القانون وبما لا يتعارض
مع المصلحة العامة ؛ لكن كل تحذيراتنا لقيت وللأسف أذنًا صماء ولم يلتفت
إليها أحد من المنتمين إلى القبائل الصغيرة عدديا ، وحتى الذين كانوا
يتعاطفون منهم مع مسلم البراك ويؤيدون مواقفه انقلبوا على ما أعلنوه
سابقا وتخلوا عن البراك وغيره ممَن قاطعوا الانتخابات ليس من باب اختلاف
الرأي السياسي وإنما بناء على سلوك انتهازي مقرف يقضي بأن المشاركة في
الانتخابات بنظام الصوت الواحد ضرورة تمليها مصلحة القبيلة لا مصلحة
الوطن !

     منذ ذلك الحين وأنا أرصد ردود الأفعال لدى أبناء القبائل ذات
الكثافة العددية والتي اختلط فيها التهكم والمزح بالتعبير الواضح عن
الامتعاض من تراجع تمثيلهم القبلي في البرلمان لصالح تمثيل القبائل الأقل
عددا ؛ إذ أنه وفق مقاييس ثقافة الفرعيات المتخلفة فإن القبائل الأكثر
عددا أحق بكراسي الدائرتين الرابعة والخامسة وبعض كراسي الدوائر الثلاث
الأولى من قبائل ينبغي على المنتمين إليها أن يحمدوا ربهم على أنهم
مواطنون يتقاضون رواتب من الدولة ويتمتعون بخدماتها الأساسية ضمن الحد
الأدنى ولا يجوز لهم أن يتطلعوا إلى ما هو أكبر من ذلك !!!

     بالأمس بدأت معالم الصفقة تتكشف بين السلطة والقوى الفاعلة في
القبائل ذات الأعداد الكبيرة تساندها جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في
حدس ؛ تلك الصفقة المتمثلة في وقف المقاطعة مقابل العودة لنظام الأصوات
الأربع أو الصوتين على الأقل ، وقد يقول قائل بأن تقرير اللجنة التشريعية
تحدث عن صوت للناخب ضمن دائرته وصوت آخر لأي مرشح يريده من خارج الدائرة
وفي تصور مختلف ثلاث أصوات ضمن دائرته وصوت خارجها ؛ ونقول ردا على هذا
الكلام بأن الفكرة غير واقعية في وضع الكويت الحالي وآلية الفرز المتبعة
وهذا ما سيُقال تحت قبة عبد الله السالم حين عرض التقرير على المجلس
والذي سيقر حسب تقديري العودة إلى نظام الصوتين كحل وسط بين الواحد
والأربعة !

     إنها خطيئتكم يا أبناء القبائل قليلة العدد فاجنوا حصادها المر
وخلو كرسي القبيلة الذي فرحتم به ورقصتم على أنغامه ينفعكم حينما تعانون
من حالة تهميش أكبر من تلك التي عشتموها أيام نظام الأصوات الأربع سيئ
الصيت ، أما أنتم يا أبناء القبائل الكبيرة عدديا فاحذروا نظام الصوتين
الذي سيفتت قبائلكم الكريمة إلى أفخاذ تتصارع فيما بينها تصارعا مكشوفا
قد يتطور في مرحلة لاحقة إلى حالة أخطر لا نتمناها لكم ، وعليكم أنتم
وإخوانكم من أبناء بقية القبائل أن تعلموا أن كويت الدائرة الواحدة يجب
أن تكون هدفكم وهدف كافة أبناء الوطن بدل التفكير في الصوتين أو الأربع
أصوات أو التعاطي المتخلف مع نظام الصوت الواحد .

     بقيت كلمة أتوجه بها إلى مقام سمو الأمير رعاه الله وأقول : إن
خطوة سموكم بإصدار مرسوم الصوت الواحد كانت خطوة جريئة وكبيرة في الاتجاه
الصحيح نتمنى أن يتم تعزيزها بكويت الدائرة الواحدة ونظام القوائم
الانتخابية ثم الانتقال تدريجيا نحو نهج سياسي شبيه بما هو معمول به في
الأردن والمغرب والذي يعد حالة وسطا بين الملكية الدستورية في أوربا
والنظام الشمولي في إدارة الدولة المعمول به خليجيا والذي عفا عليه الزمن
، فحكومة تكنوقراط لا يرأسها شيخ صباحي وتُسنَد مناصبها السيادية
والخدمية للكفاءات من أهل الكويت دون النظر إلى انتماءاتهم الفئوية أو
القبلية أو الطائفية هو ما يناسب الكويت مستقبلا ، أما العودة إلى نظام
الصوتين أو الأربع أصوات وفق صفقات سياسية مبنية على ثقافة إرث متخلف
فإنها ستكلف الكثير وستدخل البلاد في نفق مظلم لا يمكن لأي منا التنبؤ
بعواقبه .

     كلمات سطرناها بروح الحريص على وطنه وشعبه وجرس إنذار نقرعه ؛ فهل
من منتبه ؟؟؟

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

وقفات في رحاب ذكرى الغزو العراقي : ج٤

    بإذن الله سنختم في هذا المقال وقفاتنا في رحاب ذكرى الغزو العراقي
للكويت ، وما كان استطرادنا في الحديث عن الوضع السياسي الإقليمي والدولي
قُبيل الغزو إلا لسبب واحد هو أن صانع القرار العراقي آنذاك بنى حساباته
الخاطئة في اتخاذ قرار الغزو وفق قراءته الخائبة لمعطيات مواقف أمريكا
الانتهازية أولا ثم إيران ثانيا وثالثا السلوك السعودي الذي عزز لدى
المستبد العراقي الصورة المغلوطة لوضع سياسي قرأه صدام على أساس إملاءات
رغبته في ابتلاع الكويت وليس كما هو على أرض الواقع ...

    الوقفة الرابعة – النفط : عانت السياسة النفطية في العراق والكويت
معًا من حالة انعدام الشفافية طوال ثمانينيات القرن الماضي ، ففي العراق
كان كل شيء يسير بموجب قرارات الدكتاتور المستبد بعيدا عن مصلحة الدولة
كدولة وبعيدا عن المهنية في إدارة شؤون الوزارات كافة ومن بينها وزارة
النفط التي كان يتولاها مع حدوث الغزو شخص مهني اسمه عصام عبد الرحيم
الجلبي ، ولا أعلم شخصيا متى تم تعيينه بالضبط لأن الوزراء في عراق صدام
حسين من غير آل المجيد لم يكونوا سوى موظفين إداريين لا قيمة لهم ولا
يُعرف عن سيرتهم إلا القليل .

    أما في الكويت فقد تولى علي الخليفة العذبي الصباح وزارة النفط
والمالية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي ؛ ثم أُسندت وزارة
المالية إلى جاسم الخرافي وظل علي الخليفة محتفظا بحقيبة وزارة النفط حتى
أطلق صدام تهديداته الشهيرة أواخر مايو من عام 1990 م ، بعدها بأيام جرت
انتخابات ما سُمي المجلس الوطني في الكويت وتشكلت على إثرها حكومة لم
يشارك فيها جاسم الخرافي وأُسندت وزارة المالية من جديد إلى علي الخليفة
والذي تخلى عن وزارة النفط ؛ ( العنوان الرئيسي لتهديدات صدام ) ، وتم
إسناد حقيبة النفط إلى رجل مهني وطني هو الدكتور رشيد سالم العميري .

    في فترة تولي علي الخليفة لوزارة النفط وتحديدا في 9/8/1988 أي بعد
24 ساعة من إعلان وقف إطلاق النار بين العراق وإيران رفعت الكويت في خطوة
مفاجئة إنتاجها البترولي في قرار لم تكن للكويت كدولة مصلحة في اتخاذه ،
ولم تكن تلك الخطوة موجهة ضد العراق بالضرورة لكنها كانت حتما متسقة مع
حسابات ومصالح أمريكا والتي كان لها رجالها في مطبخ صنع القرار الكويتي
!!!

    بعد تصاعد الأزمة العراقية الكويتية وجد وزير النفط العراقي عصام
الجلبي ونظيره الكويتي حديث التعيين رشيد العميري نفسيهما أمام اختبار
عسير ، وللأمانة فإن الرجلين قبل الغزو بأسبوع قد تعاملَاْ مع الأزمة
بمهنية إذ اتفقا مع بقية نظرائهما في أوبك على تخفيض محدود في إنتاج
البترول بما يرفع سعر البرميل من 18 إلى 21 دولارا وكانت تلك الخطوة
متناغمة تماما مع مصلحة العراق والكويت كما أن صورة ملفتة للانتباه جمعت
الوزيرين الجلبي والعميري وهُما يتبادلان الحديث والابتسامات ؛ لكن جهود
وزيري النفط الكويتي والعراقي لم تكن كافية للحيلولة دون اجتياح الكويت
الذي كان صدام قد عقد العزم عليه منذ مارس عام 1990 م !!!

    وقد تمت معاقبة عصام الجلبي في العراق ورشيد العميري في الكويت
بسيناريوهين مختلفين ، فبالنسبة لعصام الجلبي عزل من منصبه أثناء الغزو
في أكتوبر عام 1990 م ؛ إذ بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق تضررت
منشآت تكرير البترول العراقية المترهلة أصلا حتى قبل الحصار ، فاتخذ عصام
الجلبي قرارا مهنيا بوقف عمل المصافي وغلق محطات تعبئة الوقود في كافة
أنحاء العراق والكويت المحتلة ، سبب ذلك القرار تذمرا لدى الشعب العراقي
الذي لم يكن مُقتنعا أصلا بالغزو ؛ وكانت هذه أول مرة يخشى فيها نظام
صدام حسين من انتفاضة شعبية فقام باتخاذ قرار عزل الوزير الجلبي وإلغاء
قراره في مساء يوم جمعة لا أذكر تاريخه بالضبط ؛ لكن قرار العزل وإعادة
فتح المصافي ومحطات البنزين قد بُث عبر التلفزيون في الساعة العاشرة مساء
فتقاطر الناس بعدها لتعبئة سياراتهم بالبنزين وكُنا من ضمنهم ، وحمل
البيان الرسمي الوزير المسكين عصام الجلبي مسؤولية ما اعتبره تقصيرا يرقى
إلى درجة الخيانة ؛ ولم أسمع شخصيا بعدها أي شيء عن عصام الجلبي حتى
يومنا هذا !!!

    أما معاقبة رشيد العميري في الكويت فقد تمت بعد تحرير البلاد من
المحتل العراقي الذي أشعل حقده النار في معظم آبارها النفطية بحرائق لوثت
البيئة في أنحاء واسعة من شبه الجزيرة العربية والعراق وإيران وليس في
الكويت فقط ، ومع ضخامة هذه الحرائق إلا أن الوزير العميري صرح بأن
إطفاءها ممكن خلال سبعة أشهر وبتكلفة أقل مما روجت له الأوساط الأمريكية
التي ادعت أن تصريحات الوزير العميري خاطئة وأن إطفاء الحرائق يحتاج عدة
سنوات ، فما كان من السلطة الكويتية إلا أن جاملت الأمريكان وعزلت رشيد
العميري من منصبه ؛ لكنها لم تتهمه بالتقصير ولا بالخيانة مثلما فعل
النظام العراقي مع عصام الجلبي ولم تغيبه عن الأنظار ، وأثبتت الوقائع
صحة كلام الدكتور رشيد العميري وانطفأت حرائق الآبار النفطية فعلا خلال
سبعة أشهر ، لكن الأمريكان ومَن شاركهم من الانتهازيين خارج الكويت ومن
الكويتيين أنفسهم هم الذين نالوا القسم الأكبر من كعكة أطفاء حرائق
الآبار ، أما الدكتور رشيد العميري فقد نال احترام وتقدير الشرفاء من أهل
الكويت ؛ وكفى بها مكافأة ما زال وسيظل ينعم بها الدكتور العميري ، أما
الانتهازيون فإن لهم حكايات أخرى سنتناولها بإذن الله في مقالات حول فترة
الاحتلال والتحرير في وقت لاحق ...

    ليست تلك كل الوقفات مع الغزو وذكرياته ؛ لكننا أوردنا في هذه
السلسلة ما نظن أن الإعلام الرسمي وغير الرسمي لم يذكره ولن يذكره ،
ولأهل الكويت الذين عاشوا تلك الفترة وقفات ووقفات مع ذكراها ؛ فكل له
تجربة ولكل تجربة تفاصيلها الخاصة .

الاثنين، 1 أغسطس 2016

وقفات في ذكرى الغزو العراقي ( ج٣ )

    نواصل وقفاتنا في رحاب ذكرى الغزو العراقي للكويت .

    الوقفة الثالثة – وضع الكويت إقليميا ودوليا قُبيل الغزو : أثناء
المواجهة العسكرية بين العراق وإيران كانت الكويت تمثل ثاني الداعمين
ماليا للنظام العراقي السابق بعد السعودية ؛ وكان ميناء الشعيبة الكويتي
يشكل مع نظيره ميناء العقبة الأردني الرئتين اللتين كان يتنفس منهما
العراق إبان فترة الحرب التي دامت ثمان سنوات كان العراق يقف في ست سنوات
منها موقف الدفاع والمتلقي للهجمات الإيرانية منذ 11/7/1982 م وحتى نهاية
الحرب في 8/8/1988 م ، فمن الطبيعي أن تكون العلاقات الكويتية الإيرانية
مكبلة بالإرث الثقيل لفترة الحرب خاصة وأن إيران قد قامت بقصف ناقلات
ومنشآت الكويت النفطية كردة فعل على وقوفها مع نظام صدام ؛ كما أن إيران
أيضا قد رعت عمليات إرهابية في الكويت كانت أخطرها محاولة اغتيال الأمير
الراحل الشيخ جابر الأحمد يرحمه الله في 25/5/1985 م ، فانتهت الحرب بين
العراق وإيران وعلاقات الأخيرة بالكويت شبه مقطوعة .

    أما في الجنوب فقد وقع ما لم يكن في الحسبان ؛ حيث تداخلت ثلاث
ملفات في العلاقات الكويتية السعودية يطول الحديث فيها ، وكانت تلك
الملفات كافية لتوتير العلاقات بين البلدين في الربع الأخير من عام 1989
م وبداية العام 1990 م حتى حدوث الغزو العراقي ، وقد تحدثت عن ذلك الصحف
البريطانية قبل الغزو بعشرة أيام وأثناء فترة التهديدات العراقية قائلة
إن علاقات آل سعود بصدام حسين أقوى من علاقاتهم بآل الصباح !!!

    نخلص من كل ذلك إلى حقيقة مُفادها أن الكويت عانت في فترة ما قبل
الغزو العراقي من يتم سياسي إقليمي تمثل في توتر علاقاتها بالسعودية
وإيران في وقت واحد ؛ وكان صدام حسين يقرأ ذلك التوتر بلغة زعيم العصابة
البلطجي لا بعقل السياسي المحنك سواء كان خَيِّرًا أم شريرا !

    أما على المستوى الدولي فلم يكن هناك دور مؤثر في المنطقة لأي قوة
غير الولايات المتحدة الأمريكية والتي كان لها مع الكويت ملف أسود طوال
فترة ثمانينيات القرن الماضي وصولا إلى اللقاء الشهير بين سفيرتها في
بغداد غلاسبي والرئيس الراحل صدام حسين يوم 26/7/1990 م والذي أوحت عبره
أمريكا عن عمد لصدام بغزو الكويت تحقيقا لهدف استراتيجي كبير لم تكن
العقلية الضحلة لزعيب عصابة آل مجيد لتدركه !

    في عام 1985 م ضغطت أمريكا على الكويت كي تشتري مجموعة سنتافي ذات
الأسهم المنهارة مثلما فعلت بعد 23 سنة أي في عام 2008 م حين ضغطت على
الكويت قُبيل حدوث الأزمة المالية العالمية لتشتري أسهما خاسرة في
مجموعتي سيتي غروب وميريلانش وهو ما أدى إلى تكبد الكويت خسارة كبيرة جدا
، وبالعودة إلى أجواء ثمانينيات القرن الماضي نذكر بأن قصة السنتافي هذه
كانت أحد الأسباب التي أدت إلى حل مجلس الأمة في الكويت عام 1986 م حلا
غير دستوري لم تحتج عليه أمريكا كعادتها في مثل هذه الحالات ولم تطالب
الحكومة الكويتية باحترام الديمقراطية وما إلى ذلك من أسطوانات أمريكية
مشروخة !!!

    مع كل ذلك لم تحفظ أمريكا للكويت صنيعها ؛ فقد رفض الأمريكان بيع
صواريخ ستنغر للكويت رغم حاجتها إلى تلك الصواريخ ؛ ثم إنها استغلت ورطة
الكويت حين تعرضت ناقلاتها النفطية للقصف الإيراني واشترطت رفع العلم
الأمريكي على تلك الناقلات وهو ما لطفه الخطاب الرسمي الكويتي عام 1987 م
ليسميه : " إعادة تسجيل الناقلات في الولايات المتحدة الأمريكية " ، ولو
كان الأمريكان حلفاء مخلصين لقدموا الحماية للناقلات الكويتية ولو بمقابل
مادي دون الحاجة إلى هذا الأسلوب المهين في التعامل مع الكويت !!!

    كل تلك الظروف كان يرقبها صدام حسين خاصة في فترة ما بعد توقف الحرب
مع إيران ؛ وكان هذا البلطجي يفكر في ابتلاع الكويت عبر سيناريو واحد فقط
وهو الاجتياح والضم لأنه كان يحتقر الكويتيين حكاما ومحكومين ؛ وقد قال
عنهم في 23/7/1990 م عبر خطاب له ثرثر فيه كعادته مدة تناهز فترة فلم
هندي : " هناك بعض العرب لا يستحقون الحياة " !!!

    لذلك فقد تراسل صدام مع الرئيس الإيراني وقتها هاشمي رفسنجاني في
21/4/1990 م وأخبره فيها أن العراق وإيران كانتا ضحية فتنة سببها الرئيس
الكويت ؛ فرد عليه رفسنجاني بأن إيران لن تتدخل في أي إجراء يتخذه صدام
بحق الكويت شريطة أن يوافق العراق على العودة لاتفاقية الجزائر الموقعة
بين البلدين عام 1975 م والتي مزقها صدام قُبيل اجتياح قوته للأراضي
الإيرانية وتحديدا في 17/9/1980 م معتبرا إياها اتفاقية مذلة ، فوافق
صدام على الشرط الإيراني ونفذه بعد غزو الكويت بأسبوعين وتحديدا في
16/8/1990 م في رسالة استسلام علنية ومذلة بعثها لرفسنجاني وأذاعها عبر
وسائل إعلامه الرسمية ، ولعل هذا هو ما يفسر الموقف الإيراني الذي عبرت
عنه صحيفة طهران تايمز المقربة من رفسنجاني في 23/7/1990 م حين قالت : "
إن العراق على حق في أنه لا يجوز لدول مثل الكويت والإمارات أن تجني
وحدها ثمار السلام عبر تجاوز حصص إنتاجها النفطي " !!!

    الموقف الإيراني كان من الناحية السياسية مفهوما رغم افتقاره للجانب
الأخلاقي ؛ فالعراق كان خصمه في حرب السنوات الثمان والكويت كان داعما
رئيسيا له فكان من المنطقي أن تستغل إيران حالة الخلاف بين البلدين ، لكن
الموقف اللئيم والإجرامي تمثل في السلوك الأمريكي والذي لم يكتفِ بإعطاء
الضوء الأخضر لصدام من خلال ما قالته له السفيرة غلاسبي وإنما جاءت إفادة
مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد ميرفي للكونغريس في 30/7/1990 م
لتؤكد الضوء الأخضر ؛ إذ قال ميرفي في إفادته أن أمريكا لا تملك آلية
تدخل سريع لمنع صدام من مهاجمة الكويت !!!

    أما بالنسبة للسعودية فإنها لم تكن شريكة في المؤامرة ؛ لكنها كانت
ولا زالت تعاني فشلا في إدارة علاقاتها مع جاراتها الخليجيات ، فكان
التوتر الذي ساد العلاقات السعودية الكويتية في ذلك الحين كافيا لجعل
صدام يعتقد بأن آل سعود لن يبكوا على الكويت وسيقبلون بضمه لها ، أما
مقولة أن صدام كان سيهاجم السعودية ودول الخليج فلم تكن سوى حجة لتسويق
التحشيد العسكري الأمريكي بعد الغزو ؛ فلو قبلت السعودية بضم العراق
للكويت ما كان صدام ليهاجمها !!!

    وقد أثبتت الأزمة الكويتية العراقية فشل منظومة مجلس التعاون
الخليجي ؛ إذ هدد العراق دولتين من دول المجلس عبر مذكرة ساق فيها
اتهاماته المعروفة ، فبدلا من أن تلتئم قمة طارئة لدول المجلس تعتبر فيها
تهديد الكويت والإمارات تهديدا لكل دول المجلس وترسل مذكرة عبر أمين عام
مجلس التعاون الخليجي إلى الجامعة العربية ترد فيها على العراق ردا موحدا
قامت الكويت بإرسال مذكرة منفردة يوم الخميس 19/7/1990 م وبعدها بيوم
واحد أرسلت الإمارات مذكرة منفردة أخرى ، أما السعودية كبرى دول مجلس
التعاون الخليجي وحاضنة مقر أمانته العامة فقد لعبت دور الوسيط بدل أن
تكون في مقدمة جبهة المواجهة ؛ فكانت النتيجة هي حدوث الغزو الذي كان
كارثة سياسية واقتصادية على السعودية ذاتها أكثر منه على الكويت !!!

    صدام حسين لم يكن يحترم العقول العراقية المبدعة وهذا شأن كل
دكتاتور مستبد ، ولو أنه استشارها لكان من الممكن أن يسمع منها رأي غير
الغزو والاحتلال ؛ فمثلا كان بإمكان صدام عبر الانتهازية السياسية أن
يستغل حالة توتر العلاقات الكويتية مع السعودية وإيران ليدعو الكويت إلى
الانضمام لمجلس التعاون العربي بدل مصر ليجعل من البلد الصغير الضعيف
حديقة خلفية له دون أن يرسل إليها جنديا واحدا ، لكنه الحمق والرعونة
والطمع هو ذلك الذي ساق صدام إلى حفرة الكويت يوم 2/8/1990 م ليكون ذلك
اليوم هو التاريخ الحقيقي لسقوط بغداد وليس يوم 9/4/2003 م !!!

    في مقالنا القادم سنختم بإذن الله وقفاتنا في رحاب ذكرى الغزو العراقي .