الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

حلب تصفع ديمقراطية الكويت !


        تأبى حلب الشموخ رغم شدة مأساتها إلا أن تواصل كشف أقنعة جبناء العرب وتعريهم واحدا واحدا ، فقبل ساعات قليلة من كتابة هذه السطور عقد ما يسمى مجلس الأمة في الكويت جلسة قيل أنها مخصصة لمناقشة الوضع في حلب ! ، وبما أن حلب ليست ضمن الرقعة الجغرافية لدولة الكويت ولكون هذه الدولة الصغيرة ليس لها في الشأن العالمي حول ولا قوة فإن المتوقع من هذه الجلسة لم يكن يتعدى إدانة العنف والتأكيد على ضرورة توفير المعونات العاجلة للمنكوبين .

 

        لم تتحمل ديمقراطية الكويت المزعومة عقد جلسة علنية بشأن حلب فتم تحويل الجلسة إلى سرية بطلب مُفَبْرَكٍ من بعض النواب لا لشيء إلا لأن الطفل المدلل رئيس المجلس توقع أنه سيفقد السيطرة على جلسة يحتد فيها الكلام بين الشطي وعاشور وعبد الصمد من جهة وهايف والطبطبائي والحربش من جهة أخرى !!!

 

        تحولت جلسة ما يسمى مجلس الأمة الكويتي بشأن حلب إلى سرية وكأنها تناقش شأنا دفاعيا أو ماليا كويتيا في صفعة جديدة لما يُزعَم أنها ديمقراطية في الكويت ؛ إذ بعد 54 سنة مرت على إعلان الدستور الكويتي وقيام التجربة البرلمانية في بلادنا ها هم ممثلو الشعب أو بالأحرى الممثلين على الشعب يعجزون عن عقد جلسة علنية لإدانة العنف والمطالبة بإغاثة المنكوبين في حلب !

 

        نقول لبرلمان الكويت وحكومتها : إن حلب ليست بحاجة إليكما لأن الشرفاء من أهل الكويت سنة وشيعة شاركوا كل شرفاء العالم رفض الجريمة النكراء التي وقعت وما زالت تقع في سوريا عموما وحلب خصوصا ، وفي دول الخليج الجارة للكويت قامت حملات رعتها الحكومات نهارا جهارا نصرة لحلب ؛ أما ديمظراطية الكويت التي يفتخر بها بعض سفهائنا على الجيران فإنها لم تستطع حتى مجرد إعلان الإدانة لما حدث !!!

 

        نيابة عن أهل حلب أقول لأعضاء الحكومة والمجلس في الكويت : تفرغوا لشؤون بلادكم التي يتطاير الحصا من شوارعها ليكسر زجاج سيارات أهلها وتتردى فيها خدمات الصحة والتعليم ويشتكي فيها المسؤول قبل المواطن من كل شيء ؛ فحلب غنية بصمود أهلها ووقوف الشرفاء معها عن أُلَئِكَ الجبناء الذين يخافون من نباح الكلاب !

الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

إنكم لستم شيعة ولا حسينيين !

من أقبح سلبيات الديمقراطية المزعومة في الكويت انعكاس أصداء 
الأحداث الإقليمية على مواقف وتصريحات بعض الأصوات الناعقة التي أفرزتها 
تجربة بلادنا الخائبة في عالم الحياة النيابية وحرية التعبير ، ولقد 
وجدنا كيف أن التصادم بشأن أحداث البحرين عام 2011 م كان أهم عناوين 
التناطح الطائفي في الكويت إلى حد أن اشتكت دول الجوار من تدخلات 
وتصريحات جهات إعلامية وشخصيات سياسية بارزة كانت وقتها مقربة من السلطة 
وفي نفس الوقت تحمل راية التعاطف مع نظام ملالي طهران ! 

أما سوريا فإنها ما زالت جرحا نازفا بسبب نجاح القوى الدولية 
والإقليمية في عملية تخريب ثورة شعبها التي لم تكن من حيث المبدأ طائفية 
ولا علاقة لها بأي شكل من أشكال التطرف ، فتم إقحام التنظيمات الإرهابية 
بلونيها السني والشيعي ضمن معادلة المشهد السوري من خلال سياق الأحداث 
المعلومة لدينا جميعا ، وما مشهد حلب الدامي والمأساوي إلا حلقة في سلسلة 
عنف لم تنتهِ بعد ولن تقف عند الحدود الجغرافية للأراضي السورية ! 

تستمر قباحات مَن استغلوا مساحة من التعبير مُنِحَتْ لهم في 
الكويت ؛ فها هم اليوم يستفزون مشاعر كل إنسان شريف في العالم يتعاطف مع 
أهل حلب ويدمى قلبه لما يجري في تلك المدينة المنكوبة ، فمن هؤلاء مَن 
يهنئ شعب سوريا بنصر مزعوم ومنهم مَن يصف بشار الكلب بحامي البوابة 
الغربية ومنهم مَن يتحدث بلغة مستفزة حين يقول أن طعم الفستق الحلبي صار 
اليوم غير !!! 

كل هؤلاء يتحركون على أساس أنهم شيعة ومن الجمهرة التي انتخبت 
دشتي بالأمس وأوصلت الشطي اليوم إلى الكرسي الأخضر ويرغبون في استفزاز 
الجمهرة التي انتخبت هايف والطبطبائي وغيرهما من الذين يتبنون مواقف 
مختلفة ! 

لسنا هُنا في وارد تسجيل مواقف سياسية لكننا نقول لهؤلاء السفلة 
الذين ينعمون بخير الكويت ويتدفؤون بأمان حضنها وفي نفس الوقت يصفقون 
للمجرم الذي شرد أهل سوريا وقتلهم وحرمهم الأمان الذي ننعم به نحن في 
الكويت ؛ نقول لهؤلاء بأنكم قد خذلتم من قبل إخوانكم الشيعة في إيران 
والذين قمعتهم آلة البطش الخامنئية وما زال الآلاف منهم مغيبين في سجن 
إيفين وغيره ، شيعة خرجوا يوم عاشوراء وساروا في موكب حسيني طالبوا فيه 
بالحرية وحقهم في العيش الكريم على تراب بلادهم فداستهم عجلات آليات 
الباسيج وضربتهم عصاه الغليظة ؛ فما كان منكم إلا أن تعاطفتم مع النظام 
الفاشي في طهران ضد إخوانكم الشيعة ، وعليه فإن موقفكم اليوم إزاء ما 
يجري في حلب إنما يعبر عما في قلوبكم المريضة وليس عن الشيعة ولا عن 
التشيع ، فقد سمع العالم أصواتًا شيعية شريفة وقرأ ما خطته أقلام شيعية 
نبيلة رافضة لقمع الشعب السوري وسلبه حقه في تقرير مصيره ؛ فها هم أُناس 
منصفون من أمثال الشيخ صبحي الطفيلي والسيد علي الأمين والكاتب خليل علي 
حيدر وغيرهم يصدحون بكلمة الحق ويقولون للعالم كله بأن شرفاء الشيعة لن 
ينفصلوا عن بقية شرفاء العالم في رفض الظلم والاستبداد رفضًا مبدئيا تنص 
عليه كل الشرائع وعلى أساسه ومن أجله انطلق الحسين بن علي رضي الله عنهما 
من مكة إلى الكوفة طلبًا للإصلاح في أمة جده محمد صلى الله عليه وآله 
وسلم ليلقى ربه على ثرى كربلاء شهيدا مظلوما . 

إن ما يجري للمدنيين في حلب على يد مرتزقة بشار وميليشيات إيران 
وأبناء الحرام جنود بوتين ما هو إلا امتداد لكل ظلم جرى في كل مكان وزمان 
ولا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عما فعله قتلة الحسين بن علي عليهم 
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فمَن لا زال يصر على تأييد بشار 
وحلفائه ضد المظلومين في الشام عليه أن يتوقف عن اللطم على الحسين لأن 
الحسين بريء من كل ظالم وكل مناصر للظالمين . 

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

فرعيات القبائل ظلم للنساء وقهر للرجال !

قبل عام 2005 م وهو العام الذي تم فيه رسميا إقرار حق المرأة 
الكويتية في المشاركة ترشيحا وانتخابا في مجلس الأمة كان تأييد مثل هكذا 
إجراء بين البدو في الكويت أمرا محرما معيبا قد يتهم مَن يؤيده بالدياثة 
، ولستُ هُنا في معرض تأييد مشاركة المرأة في البرلمان أو الاعتراض عليها 
فليس موقفي ولا موقف غيري من الناس مهما بعدما باتت تلك المشاركة أمرا 
واقعا ، لكنني أشير إلى أنني ضد استمرار دستور عام 1962 م كله لأنه لم 
يعد يصلح للبلاد والعباد في زماننا هذا ، ومشاركة المرأة في السنوات 
الأخيرة ليست أمرا يمكن تهنئتها عليه لأن مشاركة الرجل أصلا قد فقدت 
قيمتها فضلا عن المرأة ! 

أعود إلى جماعتي البدو مع تحفظي على المصطلح ؛ فلم يعد في الكويت 
بدو رُحل وكل أهلها يسكنون البيوت الإسمنتية لا بيوت الشعَر وكلهم 
يتنقلون بالسيارات لا بالجِمال ، جماعتنا البدو الذين كانوا يعترضون على 
مشاركة المرأة في البرلمان هم أنفسهم مَن كانوا ولا زالوا يسحبون حتى 
القواعد من النساء للتصويت في انتخابات ما تسمى الجمعيات التعاونية لمَن 
يأمرهن به أولياؤهن أو مَن تمليه عليهن العصبية القبلية بل والفخذية 
والتي ليست مقتصرة على الرجال فقط ! 

بعدما باتت مشاركة المرأة في البرلمان أمرا واقعا وبعدما فرغ معظم 
البدو من مهاجمة عواد برد العنزي لأنه أيدها سحبوا هم أنفسهم نساءهم إلى 
المدارس من أجل التصويت إلى حد أن بعضهم يعد مَن حضرت ومَن لم تحضر منهن 
واحدة واحدة وهو ما أشهد به شخصيا ! 

لم يقف الأمر عند هذا فحسب ؛ فحينما قاد الحظ امرأة محسوبة على 
قبيلة ما للوزارة تعلق الرجال بتلابيبها واستفادوا من عنصريتها وتعصبها 
القبلي بعد أَن كانت فكرة مشاركتها في الانتخابات مرفوضة أصلا عندهم ! 

في ظل خيبة ما يُزعَم أنها ديمقراطية في الكويت انتهى الأمر إلى أن 
القبائل فوتت فرصة الاستفادة من نظام الصوت الواحد ورسخت ممارسة ما تسميه 
تشاوريات ( فرعيات ) كأسلوب تصفيات خروج مغلوب بين المتنافسين على تمثيل 
القبيلة وليس الدائرة ، هذه الفرعيات لا تشارك فيها المرأة ترشيحا ولا 
انتخابا لكن عليها الخضوع لنتائجها يوم التصويت الرسمي ؛ ويا ويلها إن 
اتخذت موقفا آخر أو حتى امتنعت عن الذهاب إلى مركز الاقتراع ! 

فرعيات القبائل ليست ظلما وتهميشا للنساء فحسب ولكنها أيضا قهر 
للرجال حيث تتحكم حسبة أعداد الأفخاذ وثقافة المناديب التي عززتها السلطة 
الحاكمة بنتائجها وتتحكم الضغوط الاجتماعية بموقف الأفراد إزاء تلك 
الفرعيات ، فالذي يرشح نفسه للانتخابات من أبناء القبائل خارج إطار 
الفرعيات إما أن يُعتبر متمردا شاقا لعصا الجماعة ومشتتا لأصوات بني عمه 
وإما أنه خبل قاطع جادة مدوج حتى لو كان صاحب فكرة ولديه برنامج ؛ إذ لا 
قيمة للفكرة ولا للبرنامج في الانتخابات الكويتية لا عند البدو ولا عند 
الحضر والذين لهم موال آخر وقصة مختلفة ! 

ختاما أقول : لا بارك الله في انتخابات يترشح لها مجرم هارب وممثل 
هابط بينما لا يجرؤ صاحب الفكرة والبرنامج على الترشح لها خوفا من العيب 
!!! 

الخميس، 13 أكتوبر 2016

الطعنة المصرية والخيبة السعودية !

الكل تابع الضجة المُثارة حول الموقف المخزي لمصر السيسي إزاء 
محنة إخواننا في سوريا المنكوبة المحتلة ، ولسنا هُنا في معرض تحليل موقف 
حكام مصر البلطجية فهؤلاء هم مَن ذبحوا بدم بارد خمسة آلاف مصري في ليلة 
واحدة بمباركة مَن أضلهم الله وخيب سعيهم ؛ فمَن يفعل مثل هذا بشعبه لا 
يُرتجى منه أن يكون رؤوفا بالشعوب الأخرى وعطوفا عليها . 

الذي أذهل المتابعين حقا هو بروز خلاف سعودي مصري على مسرح 
الأحداث تم ربطه بتصويت مصر مع المشروع الروسي رغم أن المشروع المقابل 
كان فرنسيا إسبانيا ولم يكن مشروعا سعوديا ! 

نود فقط أن نلفت الانتباه إلى أمرَين هامَين غابَاْ عن المتابعين أو 
أن بعضهم تجاهلهما عمدا لأسباب مختلفة : 

الأمر الأول هو أن مشكلة السيسي وعصابته لم تكن مرتبطة أبدا بالموقف 
الأخير فيما يسمى مجلس الأمن الدولي لكنها بدأت منذ انقلابه المشؤوم عام 
2013 م والذي تم برعاية سعودية مباشرة لم تكن مبررة إطلاقا وشكلت تدخلا 
سافرا في الشأن المصري الداخلي بل إنها قد ترقى إلى عدوان على الشعب 
المصري ، ويحاول بعض الذين اعتادوا تمجيد النظام السعودي تصوير الأمر على 
أنه سياسة خاطئة انتهجها الملك الراحل عبد الله وأن الملك سلمان قد غير 
هذه السياسة ؛ وهذا كلام غير دقيق في أحسن أحواله إذ أن الملك سلمان ذاته 
زار مصر على رأس وفد رفيع المستوى وأكد الموقف الذي كان قد تبناه الملك 
عبد الله ! 

الأمر الثاني هو أن الأمير محمد بن سلمان وبقية كبار المسؤولين في منظومة 
مجلس التعاون الخليجي قد زاروا بوتين في منتجع سوشي بعد بداية التدخل 
العسكري الروسي في سوريا واجتمعوا معه ليعقدوا اتفاقيات الاستثمار 
والتعاون في نفس الوقت الذي كانت فيه طائرات العدوان الروسي تدك مدن 
وقُرى أهلنا في سوريا ، فلا يعقل والحالة هذه أن يصبح تصويت مصر لصالح 
المشروع الروسي بحد ذاته سببا للخلاف مع السعودية ، فلو جاز لنا اعتبار 
موقف السيسي خيانة لكان الذين هرولوا إلى سوشي أسبق بالخيانة لأنهم باعوا 
دم أهل الشام باستثمارات مليارية مع المعتدين الروس ! 

حقيقة الأمر تكمن في أن السعودية صُدِمَتْ بتحركات واتصالات 
مصرية مع إيران خارج إطار تنسيق ظن حكام الرياض أنهم قد اشتروه بأموال 
السحت الحرام التي منحوها للمجرم عبد الفتاح السيسي ؛ تلك الأموال التي 
لولاها ولولا الدعم السياسي المصاحب لها ما كان للسيسي أن ينقلب على رئيس 
انتخبه الشعب المصري ثم ليذبح في ليلة واحدة خمسة آلاف نفس مسلمة في 
ميدان رابعة لن يكون السيسي وحده خصمها عند الله يوم لا ينفع مال ولا 
بنون ولا بترول ! 

ليست هذه أول خيبات السياسة السعودية التي استثمرت أموالها في كل 
مكان إلا داخل أرضها وفي عقول وقدرات أبناء شعبها المبدع الخلاقة 
والمتميزة ، فالسعودية هي مَن رعت حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد في أول 
سنوات حكمه ؛ والسعودية هي مَن ضخت أموالا ضخمة في لبنان واستثمرت في 
إعلامه ومصارفه ولم تنتج تلك الاستثمارات إلا ستار أكاديمي وسوبر ستار ؛ 
والسعودية هي مَن أغدقت بسخاء على عفاش اليمن وغفرت له خطيئته عام 1990 م 
وشاركتها الكويت في ذلك النهج الخاطئ ثم رممت وجهه القبيح بعد أن أحرقته 
نار أحرار اليمن ، فأين هي اليوم دمشق وأين بيروت وأين صنعاء ؟؟؟ 

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

زواج المرأة المتقدمة في العمر واعتبارات اتخاذ القرار

من المنطقي أن أي فتاة تتعدى مرحلة الطفولة وتصل سن الشباب تبدأ 
في التفكير بطرف آخر يدخل حياتها ( فارس الأحلام ) ، ولسنا هنا في وارد 
الحديث عن العلاقات المحرمة بين الشبان والفتيات فهي مرفوضة جملة وتفصيلا 
والموقف منها غير قابل للنقاش ؛ لكننا نتحدث عن حلم أي بنت بارتداء فستان 
الزفاف أو بدلة العرس سموها ما شئتم في ليلة حفل زواجها واقترانها بشاب 
تحلم بأن يكن قويا وسيما يحمل ملامح الرجولة وصفاتها ، فقوة الرجل 
بالنسبة للمرأة ذات الفطرة السليمة تعني الشعور بالأمان ووسامته تعني 
راحتها في مملكة البيت وعنوانها أمام الناس خارج حدود المملكة ، ولا 
علاقة لنا بميول بعض فتيات زمن الهِشِّك بِشِّك لشبان مائعين ذوي أشكال 
مشوهة ورجولة شبه معدومة فذلك يمثل انحرافا فطريا يمكن الحديث عنه في 
مقام آخر . 

تشاء إرادة رب العزة والجلال أن تتقدم نساء كثيرات في العمر دون 
أن يتزوجن وأن تكون بعض صاحبات التجارب الزوجية غير الناجحة عرضة لضغوط 
نفسية وأسرية واجتماعية كلما مرت السنين بعد طلاقهن دون أن يتقدم إليهن 
مَن يمكن أن تجرب الواحدة منهن معه حظها ثانية وتصحح ما قد تكون وقعت فيه 
من أخطاء في تجربتها الأولى ، وهؤلاء النسوة ممن بلغن أواخر الثلاثينيات 
من العمر أو اقتحمن أربعينياته وربما خمسينياته تتداخل حساباتهن العقلية 
مع رغباتهن الفطرية والتي لا تضعف كما قد يظن البعض لكن اعتبارات الظروف 
وتعامل العقل معها يزاحم تلك المشاعر مما يدفع المرأة إلى تقديم تنازلات 
ما حينما تسنح لها فرصة الزواج ، فبنت العشرين التي لا تقبل الزواج من 
رجل متزوج أو آخر مسن أو ثالث معاق أو رابع يقل عنها من حيث التصنيف 
الاجتماعي والمادي هي ذاتها التي قد تقبل تقديم تلك التنازلات في 
الأربعين أو الخمسين عندما تقدم لها الحسابات العقلية تقريرا مفصلا 
مُفاده أن تفويتها للخاطب المتزوج أو المسن أو المعاق أو الأقل مركزا 
اجتماعيا وماديا قد يكون بمثابة إعدام أملها في الزواج نهائيا ! 

لا مشكلة في تغيير الأولويات في حياة الإنسان وفق ظروف كل مرحلة 
من مراحل عمره ؛ ومقارنة حالة الفتاة الطامحة للاقتران بفارس أحلامها 
والمرأة التي تقدم بها العمر وتطمح للأمان النفسي والاجتماعي وإشباع 
غريزة الأمومة لديها يعد أبرز مثال على ذلك التغيير ، لكن ثَمَّةَ 
اعتبارات لا بد من تنبيه المرأة المتقدمة في العمر حين تتاح لها فرصة 
الزواج سواء كانت صاحبة تجربة سابقة ( مطلقة ) أو لم يسبق لها الزواج من 
قبل ؛ وأهم تلك الاعتبارات ما يلي : 

أولا – يجب أَلَّاْ تترك شعور الدونية أو الفراغ العاطفي نتيجة عدم وجود 
الطرف الآخر في حياتها يدفعها للموافقة على أي خاطب يتقدم إليها فتستعجل 
في تقديم تنازلات قد لا تكون هي مستعدة لها نفسيا أو أن ذلك الخاطب لا 
يستحق تقديم مثل تلك التنازلات له ، وعلى الأهل توفير غطاء يشعرها 
بالأمان وأنها ليست حملا ثقيلا عليهم وأنهم يتمنون لها السعادة مع زوج 
تحبه ويحبها لكنهم في نفس الوقت على استعداد للوقوف معها في كافة مراحل 
حياتها إِلَّمْ يقدر الله الحصول على ذلك الزوج . 

ثانيا – كلما كان الخاطب للمرأة المتقدمة في العمر قريبا منها أو من 
أسرتها كلما كان ذلك أفضل ، ولا نعني بالقرب قرب النسب فحسب لكن الجيرة 
والصداقة تشمل ما نقصده بل إنها في كثير من الأحيان تكون أقوى من قرابة 
النسب ، فصديق الأخ أو أخ الصديقة أو الجار القريب أو ابن العم والخال 
والعمة والخالة أدعى لأن تكون المرأة عارفة بكثير من أحواله وبالتالي 
تكون أكثر قدرة على تحديد القرار المناسب حيال طلبه الزواج منها موافقة 
أو رفضا ، إضافة إلى ذلك فإنه لا بد من حوار مباشر بين المرأة المتقدمة 
في العمر وذلك الخاطب الذي تقدم إليها ؛ إذ لا يكفي حواره مع وليها أبا 
كان أم أخا لأن المرأة ذاتها هي الأَولى بتحديد الاعتبارات التي قد 
تدفعها للموافقة أو الرفض من ناحية ؛ ومن ناحية ثانية فإن بعض الآباء أو 
الإخوة ينشغلون بمسألة ما يرونه تسليكا لنصيب البنت أو الأخت أكثر من 
تركيزهم على شخصية الرجل المتقدم لخطبتها ! 

ثالثا – في بعض الحالات التي يكون فيها الخاطب أقل اجتماعيا أو ماديا من 
المخطوبة المتقدمة في العمر يجب الحذر ، فعلى سبيل المثال حينما يتقدم 
وافد مقيم لخطبة مواطنة خليجية دون سابق علاقة أو معرفة تجمع أسرتيهما 
فإن ذلك ربما يكون مشروع استغلال تصبح المرأة ضحيته ويغدو وضعها بعد طعنة 
الغدر من ذلك المستغل أسوأ مما كان عليه قبل تجربة اقترانها به ؛ مع 
التأكيد على أننا لا ننتقص من إخواننا المقيمين الذين يعملون بشرف في 
بلداننا ولا نتهمهم كلهم بأنهم ينظرون للمرأة الخليجية حين التفكير في 
الزواج منها نظرة استغلال لكن من حقنا أن نحذر بنات أوطاننا وكل واحدة في 
النهاية أقدر على تحديد وجهتها أو هكذا يُفترض ، أما إذا كان الفارق بين 
الخاطب والمخطوبة المتقدمة في العمر فارقا اجتماعيا ( أصيل وبيسري ) فلا 
يحق للمجتمع أن يجبر المرأة على التمسك بمقتضياته وحرمانها بالتالي من 
فرصة الزواج في حين أن ذلك المجتمع لم يرحمها من نعتها بالعنوسة أو 
تعييرها بالطلاق الذي قد لا تكون هي مَن تسببت بوقوعه . 

كانت تلك بعض الاعتبارات التي نرى وجوب اهتمام المرأة المتقدمة 
في العمر بها حين تتاح لها فرصة الزواج ، وَإِلَّمْ يتسنى لها الزواج 
فعليها الاستمتاع بباقي جوانب حياتها لأن الزواج رغم أهميته ليس هو كل 
الحياة . 

السبت، 24 سبتمبر 2016

لَطْمِيَّاْت رواديد السلفية !

لم تكن المرة الأولى ولا أظنها ستكون الأخيرة من نوعها تلك الضجة التي 
أُثيرت حول الحفل الفلكلوري الذي نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون 
والآداب بمجمع الأفنيوز ، فلم تلبث مقاطع الفيديو من ذلك الحفل أن انتشرت 
حتى تداعى رواديد السلفية بِلَطْمِيَّاْتِهم المعتادة حول مخالفة الشرع 
والعادات والتقاليد والقيم إلخ من نغمات يظن مَن يستمع إليها أننا في 
الكويت لا توجد لدينا أي مشكلة أخلاقية إلى رقص النساء ولباسهن ! 

لسنا في معرض الدفاع عن الحفل ولا تبرير موقف مَن نظمه ؛ فتلك 
أمور يُفترض أن تعود إلى القوانين المرعية في بلادنا ، فأي مواطن شاهد 
المقطع أو حضر الحفل ولديه ما يثبت حدوث ممارسات خالفت قوانين الدولة 
بإمكانه التوجه إلى النائب العام وإبراء ذمته بتقديم شكوى بهذا الخصوص 
دون اصطناع بطولات وهمية وتمثيل أدوار استعراضية على المجتمع الذي يتبجح 
بالمحافظة ويتسربل كثيرون من أفراده بالنفاق ! 

المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مفخرة كويتية قدمت سلسلة 
عالم المعرفة وعالم الفكر ؛ فماذا قدم هؤلاء الذين يرفعون اليوم راية 
الهجوم عليه بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ 

أقول لرواديد السلفية إن اللباس المشين وقصات الشعر المقززة 
والوشوم المحرمة على أجساد شبابنا وبناتنا تعرض كل يوم عيانا بيانا ليس 
في المجمعات التجارية فحسب وإنما حتى في شوارع مناطق سكناكم ولم نجد منكم 
ثورة ولا غيرة بسبب تلك المخالفات ، ومحاولاتكم للنيل من المجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب مرفوضة جملة وتفصيلا ويصعب علينا افتراض سلامة 
نواياكم تجاه هذا الصرح الثقافي الكويتي العتيد ! 

بقيت كلمة يجب أن تقال للنائب علي الخميس الذي هدد وزير الإعلام 
بالاستجواب : إن الآكشن الذي استعرضتَ به يا حضرة النائب قام به آخرون 
قبلك ؛ وكان من ضمنهم النائب السابق عواد برد الذي أقام الدنيا ولم 
يقعدها بسبب حفلة كانت مزمعة لفنانة الإغراء الاستعراضية المصرية روبي 
حيث قال عنها عواد برد : " إن هذه تقدمها في مؤخرتها " ، فردت عليه روبي 
قائلة : " اهتم بتقدم بلدك ودع عنك مؤخرتي " ! 

نتمنى منك يا علي الخميس أن تتعاون مع وزير الإعلام في تتبع 
المخالفات التي يُقال أنها حدثت من خلال تواصلك الشخصي معه ومن خلال 
الأسئلة البرلمانية بدل قصة التهديد بالاستجواب ، فأين أنت أو غيرك من 
استجواب الوزراء في مجلس باتت إجازته أطول من المسلسلات المدبلجة التي 
تعرضها الفضائيات ؟ 

ليتك يا علي الخميس وباقي زملائك النواب تحددون أجندة عمل بدل 
هذا النمط من الدعاية الرخيصة والمتاجرة بعواطف جمهرة لم يشاهد أكثرها 
الحفل ، فزيادة أسعار المواد الاستهلاكية بدعوى ارتفاع سعر البنزين 
واستشراء الفساد الإداري بكل أشكاله وترهل الخدمات المقدمة للمواطن وغير 
ذلك من شؤون البلد وشجون شعبها أولى بأن تطرحوها على الطاولة بدل النيل 
من صرح ثقافي عرف العالم على بلدنا الصغير عن طريق نتاجاته ، وحتى لو ثبت 
حصول المخالفات فإن معالجتها إنما تكون بمحاسبة المسؤول عنها وليس بتشويه 
صورة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي قدم للكويت ما لم تقدمه 
كل مجالس الأمة مجتمعة منذ عام 1963 م وحتى يومنا هذا . 

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

مالكم شغل بهبات الديوان الأميري !

أول أمس تداول الكويتيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورة كتاب صادر من
الديوان الأميري ينص على منح هبة للشيخ خالد العبد الله الناصر الصباح
رئيس المراسم والتشريفات بالديوان الأميري ، هذه الهبة عبارة عن أرض في
منطقة هدية بمساحة 1000 متر مربع فقط لا غير ؛ وأرض مثلها هبة لابنه الذي
لم يتجاوز عمره 17 سنة ، كذلك منح أرض ثالثة في منطقة الخالدية بنفس
المساحة لشقيقة مدير مكتب سمو الأمير وهي معروضة للبيع بقيمة مليون
وثلاثمئة وخمسين ألف دينارا كويتيا فقط لا غير ؛ أي بمعنى إعطاء هذا
المبلغ كاش للسيدة الفاضلة !

     مع هذا الخبر المثير لنا وقفات نوجزها فيما يلي :
   أولا – جميع الأنظمة السياسية التي تقوم على أساس الحكم الوراثي
تنتهج سياسة إغناء أفراد الأسرة المالكة أو الحاكمة سموها ما شئتم وكل
مَن يخص تلك الأسرة من حاشية مقربة ، ولم يستثنِ تاريخ البشرية من ذلك أي
أسرة مالكة حاكمة أو حتى مالكة فقط ؛ وحينما تمرد عمر بن عبد العزيز رحمه
الله ورضي عنه على تلك القاعدة قتله بنو عمومته بالسم ثم عادوا بعد
استشهاده لإدارة عجلة فساد حكمهم حتى ذهب ذلك الفساد بملكهم بعد قرابة
الثلاثين عاما فقط من استشهاد عمر بن عبد العزيز !

     حتى الغرب الذي يرفع زورا وكذبا شعارات المساواة تغدق الدول
الملكية فيه الأموال الطائلة على الأمراء والأميرات وكل مَن يخصهم بما في
ذلك الخدم وسائسو الخيول !

     طبعا ما ذكرناه لا يعني القبول بهذا السلوك الشائن لكنه عرض لحقيقة
شهدها التاريخ عبر العصور والأزمان وما زال يشهدها الحاضر الذي نعيشه .

     ثانيا – رغم ما يتغنى به الكويتيون من ديمقراطية متفردة في منطقة
الخليج العربي إلا أن مؤسسات دولتهم ظلت عاجزة حتى اليوم عن إصدار
تشريعات تنظم صلاحيات الديوان الأميري ، بل إن تلك الصلاحيات قد تم
توسيعها مؤخرا إلى حد تسليم بعض مشاريع الدولة للديوان الأميري كي يتم
تنفيذها خارج إطار الرقابة بحجة الهروب من البيرقراطية ، لذلك فإن الكويت
لا تختلف بتاتا فيما يخص علاقة أسرة الحكم بالدولة عن جاراتها الخليجيات
مَهْمَاْ تغنى المتغنون بالدستور ودولة القانون المزعومة !

     ثالثا – الكويتيون متناقضون مع أنفسهم ؛ فهم يمجدون تجارب دول مثل
السعودية التي منحت جنسيتها بالمزاج لمطرب عراقي والإمارات التي قامت
بالشيء ذاته مع ممثلة أمريكية بينما يهاجمون حدوث ما هو أقل من ذلك في
بلادهم ، ولإن كان منح هبات أراضي الديوان الأميري في الكويت يتم عبر كتب
تمر على موظفين من عامة الشعب فإنها في الدول التي يمجدها معظم الكويتيين
تتم بمكالمة هاتفية أو ربما بجلسات خاصة ، لذلك فإن ما تم تداوله بين
الكويتيين أول أمس رغم كونه مرفوضا جملة وتفصيلا إلا أنه يعد ممارسة
محترمة قياسا بما يحصل في أوساط الحكم في دول الجوار ، علما بأن
الكويتيين يعلمون تماما قبل هذه الهبات أن للأسرة الحاكمة ( الشيوخ )
صلاحيات ومخصصات خارج إطار نصوص الدستور والقانون لم يعترض عليها أحد منذ
نشوء الكيان السياسي لدولة الكويت حتى أُلَئِكَ الذين يرفعون شعارات
محاربة الفساد !

     رابعا – الشخص الذي قام بتصوير وتسريب الكتاب الخاص بهبات الديوان
الأميري خائن للأمانة ، وسوء تصرف إدارة الديوان الأميري وعبثها بممتلكات
وأموال الدولة لا يعطيه الحق في نشر ما ائتُمن عليه من معلومات ، فلو أن
ذلك الشخص صادق وصاحب ضمير لتوجه إلى النيابة العامة بما لديه من معلومات
أو على الأقل لقدم استقالته من وظيفته إلم يستطع ، لكن والعلم عند الله
فإن مَن قام بتصوير وتسريب الكتاب قد أخذ المقسوم نظير فعلته الشائنة تلك
من طرف له مصلحة في نشر خبر هذه الهبات ؛ ونظن أن الشعب الكويتي يعرف ذلك
الذي قد يكون خلف تسريب خبرها !

     مخلص الكلام نلخصه في همستين ؛ الهمسة الأولى للشعب الكويتي ونقول
له فيها : " مالكم شغل في هبات وعطايا الديوان الأميري خاصة وأن منكم
وفيكم مَن يركض خلفها ويقلقس عند مَن بيده أن يمنحها لمَن شاء " !

     أما الهمسة الثانية فهي لأسرة الحكم ونقول فيها : " احذروا يا شيوخ
من هذه الممارسات خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها بلادنا ؛ وأخطر
تلك الظروف هي علاقاتكم البينية وتنافسكم المبكر على مرحلة ما زالت في
علم الغيب ، واعلموا أن استقرار واستقلال الكويت مرهون بمدى قوة أسرتكم
وسلامة سلوكها في إدارة شؤون البلاد ، فبسكم عطايا وهبات والجموا السفهاء
والانتهازيين من رجالكم ونسائكم وكفوا أيديهم عن العبث بمقدرات الكويت
التي لولا خيرها ما نعمتم بالحكم ولما استمتعتم بالمال " !

الجمعة، 26 أغسطس 2016

الاستدانة خيانة !

    في أعقاب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عاد إليها بعد أسبوع ولي
العهد الشيخ سعد العبد الله وتلاه بأسبوع آخر الأمير الشيخ جابر الأحمد
رحمهما الله ، سجد الشيخ جابر على أرض المطار سجدة شكر لله في حين كان
يرى بعينيه دخان نار الحقد الأسود يتصاعد من آبار شريان الكويت ( النفط )
ويكلفها ما يقارب 120 مليون دولارا يوميا ؛ وكان مشهدا مؤثرا حقا لا يمكن
نسيانه .

     مع تصاعد دخان نار الحقد العراقي من آبار النفط الكويتية كانت
بطبيعة الحال الصناعة النفطية في البلاد مشلولة وكان مركزها المالي
يُرْثَىْ له بعد أن نهبها لصوص العراق من داخلها وسرقها لصوص الكويت من
خارجها !

     كانت حصة الكويت من حقل الخفجي وعوائد الاستثمارات الخارجية التي
لم تطلها أيدي لصوص الكويت هي التي صرفت على الشعب والبلد إلى أن تعافت
الصناعة النفطية من آثار العدوان العراقي ؛ وكان من الطبيعي أن تضطر بلد
في ظروف كالتي مرت بها الكويت إلى الاستدانة من بنوك عالمية ، ومع كل تلك
الصعوبات أسقط الأمير الراحل الشيخ جابر يرحمه الله كل ديون المواطنين
ومنح كل صامد 500 دينار فضلا عما مُنِحَ للكويتيين في الخارج إبان فترة
الاحتلال ؛ كما تم إسقاط كل فواتير الكهرباء حتى تاريخ 14/2/1992 م ولم
يتم رفع أسعار المحروقات مُداراة للشعب الكويتي الذي عاش فترة الغزو
الغاشم ما بين الصمود واللجوء وقدم في سبيل وطنه كوكبة من الشهداء
والشهيدات .

     بعد ما يقارب الخمس سنوات من تحرير الكويت استكملت البلاد سداد
كامل ديونها للبنوك العالمية ؛ ومر اقتصادها منذ ذلك الحين في حالات جزر
ومد ارتبطت بوضع سوق النفط وكان أصعب الأعوام على الكويت هو عام 1999 م
حيث وصل برميل النفط إلى قرابة سبع دولارات واضطرت الحكومة إلى زيادة
محدودة في أسعار المحروقات وروجت بعض الأوساط السياسية لشعار ( شدوا
الحزام ) ، ومع ذلك لم نسمع عن استدانة لا من بنوك محلية ولا من بنوك
عالمية .

     بفضل الله تعافت السوق النفطية منذ عام 2002 م وتصاعدت أسعار النفط
حتى بلغت 140 دولار عام 2009 وأدرت على البلاد خيرات كانت كفيلة بالتغطية
على الفساد المالي أمام المواطن البسيط على الأقل ، وما زالت الكويت تنعم
بآثار خيرات ارتفاع أسعار النفط في السنوات الماضية رغم تدنيها المفاجئ
الذي هوى بها في العام الماضي إلى 20 دولارا للبرميل !!!

     تحسنت أسعار النفط هذا العام نسبيا مقارنة بالعام الماضي وباتت
قريبة جدا من الأسعار التفضيلية التي كان يُباع بها نفط الكويت لبعض
الدول الآسيوية ( 50 دولارا للبرميل ) إبان فترة انتعاش السوق النفطية أي
بما يزيد قليلا على ثلث سعر برميل خامات أوبك ، كما رفعت الحكومة أسعار
البنزين ورسوم بعض الخدمات مما حقق توازنا جيدا لخزينة الدولة أكدته
كرستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي !

     في ظل هذه الظروف الجيدة رغم عدم مثاليتها لا تحتاج بلد مثل الكويت
إلى استدانة من بنوك محلية ولا عالمية ؛ إلا أننا نسمع اليوم لَطْمًا
ونوحا على الحالة المالية للدولة وحديثا عن استدانة مبالغ مليارية بفوائد
فلكية ستقوم بها حكومة الكويت من بنوك محلية يُديرها علية القوم وأخرى
عالمية يُديرها بعض ربعهم من الخواجات وربما كان بعض علية القوم عندنا
يملكون أسهما فيها !!!

     لقد قبلنا بقرار زيادة سعر البنزين وتفهمناه ودافعنا عنه لأنه صحيح
؛ أما الاستدانة من البنوك فإنها تمثل شكلا بشعا من أشكال الخيانة للكويت
لأنها ببساطة تعني دفع عشرات المليارات كفوائد للدائنين خلافا لأصول
الديون ذاتها ، لذلك فإن الاستدانة في ظل عدم حاجة الكويت إليها تعتبر
قرارا غير أمين يصعب تصنيفه في خانة حسن النية وسوء التقدير !!!

     إن كان رفع سعر البنزين وبعض رسوم الخدمات إضافة إلى تحسن أسعار
النفط لا تكفي لمعالجة آثار تدنيها في العام الماضي فإن الحل يكمن في
تقليل الهدر ، فهناك لجان تتشكل في كافة وزارات ومؤسسات الدولة تقوم
بأعمال يمكن إنجازها أثناء فترة الدوام الرسمي ؛ فلا حاجة إذًا لتشكيلها
والإنفاق عليها ، وهناك مسؤولون يتم منحهم سيارات من الحكومة مع كوبونات
بنزين ونجد سيارات الدولة التي يقودونها متوقفة عند الجواخير والشاليهات
وحتى جبرة الخضرة ؛ فبأي حق يُمنح هؤلاء السيارات والبنزين المجاني ؟

     وهناك أوجه أخطر للهدر معروفة لدى صُناع القرار يجب وقفها فورا إن
كانت النوايا مخلصة ؛ إذ بوقفها تعمر خزينة الدولة وتعود إليها مليارات
كثيرة بدل أن تدمر تلك الخزينة بديون مليارية تجعل من الكويت العزيزة
ذليلة مكبلة بفوائد يتعدى رقمها أصل تلك الديون !

الاثنين، 22 أغسطس 2016

#نرفض_زيادة_سعر_البنزين : مزايدة رخيصة !

   ما زالت بقايا كتلة ما سُميت أغلبية مجلس 2012 المبطل الأول ورغم
تشرذمها وتخليها عن ثابتها الأساس وهو مقاطعة الانتخابات ؛ ما زالت بقايا
تلك الكتلة تتبنى شعارات المزايدات الرخيصة في خطابها للمواطن ، وآخر تلك
الشعارات هو ذلك الوسم ( Hashtag ) السخيف واللا أخلاقي
#نرفض_زيادة_سعر_البنزين !

    هذه الحفنة المفلسة ومَن انجرف خلف خطابها من المتكسبين المرتزقة
والبسطاء المساكين على حد سواء تطرح حجة لموقفها هذا لا تقل سوء عن
الشعار ذاته ؛ هذه الحجة مُفادها أنه ما دامت الحكومة غير قادرة أو غير
راغبة في مواجهة الفساد فعليها أَلَّاْ ترفع سعر البنزين ، ويقول هؤلاء
بأنه لو أن الحكومة حاربت الفساد فعلا وبدأت في إصلاح حقيقي فإنه لن يكون
هناك مانع من زيادة سعر البنزين ؛ لكن في ظل الوضع الحالي لا يجوز التوجه
لجيب المواطن حسب تعبيرهم !!!

    كلام هؤلاء البلهاء حوى دون أن يشعروا اعترافا منهم بأن الدولة
بحاجة ماسة إلى رفع سعر البنزين ؛ وربط هذه الزيادة بخطوات إصلاح لم
يحددوها ما هو إلا استغفال لعقول بسطاء المواطنين الذين لا يريد الواحد
منهم تفويل سيارته بسبع دنانير بدلا من أربعة !

    نقول لهذه الحفنة المفلسة بأن الفساد مستشرٍ فعلا في إدارة الدولة
وأن استمرار البنزين بسعره الحالي هو واحد من مظاهر هذا الفساد الذي يجب
علينا اجتثاثه ، والفساد لم يستشرِ في الدولة بفعل الشيوخ والمقربين منهم
فحسب كما يحلو للبعض أن يصور الأمر ولكنه مستشرٍ أيضا في أوساط الشعب
الذي يمارس كثير من أفراده الفساد في أعمالهم بوزارات الدولة وكذلك في
أعمالهم الخاصة ومن أبرزها تجارة الإقامات والتي ينشط في سوقها كثير من
أدعياء الوطنية ومحاربة الفساد !

    ما دامت السالفة هاشتاغات فسأطرح عليكم اقتراحات أفضل من هاشتاغكم
إن كنتم حقا تريدون محاربة الفساد :

    #الامتناع_عن_السفر_إلى_لندن : لندن هي عاصمة بريطانيا التي تؤوي
المجرم فهد الرجعان سارق أموالنا ؛ ومقاطعتنا للسياحة والدراسة والعلاج
فيها سيكلف حكومتها الكثير وربما يجبرها على اعتقال الرجعان وتسليمه
للسلطات الكويتية ، فهل ستتبنون هذا الهاشتاغ أم أن السفر إلى العزيزة
لندن مقدس بالنسبة لكم ؟

    #محاربة_تجار_الإقامات : هؤلاء المجرمون هم سبب رئيسي للمغالاة في
أسعار الخدم وانتشار الجريمة بكافة أشكالها في البلاد ؛ وتقصير الحكومة
في محاربتهم وتفعيل التشريعات التي توقفهم عند حدهم واضح للعيان ، فهل
ستضغطون باتجاه محاربتهم أم أن أكثركم ما بين مستفيد من هذه التجارة
الخبيثة أو قريب لمستفيد منها لا يريد أن يخرب عليه ؟

    مثل الهاشتاغين سالفَي الذكر وما شابههما هي الشعارات التي يجب
رفعها لمحاربة الفساد أن كنتم صادقين ؛ أما زيادة سعر البنزين فإنها حاجة
اقتصادية واجتماعية وربما سياسية لبلد بات فيه الوافد الذي يتقاضى 30
دينارا كراتب قادرا على شراء قرمبع خربان يخرج به إلى الشارع ويحمل عبرية
بمبالغ زهيدة خارج إطار القانون مما يؤثر سلبا على وسائل النقل المرخصة !

    الحمد لله أن الحكومة أصرت على موقفها وتركت تويتر وهاشتاغاته
للمفلسين ، فأهلا بزيادة سعر البنزين والفال لمخالفات المرور التي نتمنى
زيادتها إلى خمسة أضعاف مع ملء شوارع الكويت كافة بالكاميرات والرادارات
؛ واللي يمشي عدل ما راح يخاف ولا يتضرر .

الأربعاء، 17 أغسطس 2016

خطيئة القبائل الصغيرة والحصاد المر !

وقع ما حذرنا منه بالفعل ؛ وها هو نظام الصوتين سيئ الذكر يطل برأسه كما
ورد في تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الأمة !

     منذ إعلان نتيجة انتخابات مجلس 2013 م ووصول مرشحين من أبناء
القبائل قليلة العدد إلى الكرسي الأخضر بموجب تكافؤ الفرص الذي كفله نظام
الصوت الواحد حذرنا أهلنا الذين احتفلوا بنجاح مرشحيهم من الحديث بلغة
المنتصر على أساس ما يسمى كرسي القبيلة ، وقبل الانتخابات كُنا قد
حذرناهم من الوقوع في خطيئة أي شكل من أشكال التصفية القبلية ( الفرعيات
) وطالبنا الجميع بتقديم طروحات واضحة ومحددة لتحقيق الإصلاح الشامل في
البلاد أولا ثم لخدمة كل أبناء دوائرهم ثانيا وفق القانون وبما لا يتعارض
مع المصلحة العامة ؛ لكن كل تحذيراتنا لقيت وللأسف أذنًا صماء ولم يلتفت
إليها أحد من المنتمين إلى القبائل الصغيرة عدديا ، وحتى الذين كانوا
يتعاطفون منهم مع مسلم البراك ويؤيدون مواقفه انقلبوا على ما أعلنوه
سابقا وتخلوا عن البراك وغيره ممَن قاطعوا الانتخابات ليس من باب اختلاف
الرأي السياسي وإنما بناء على سلوك انتهازي مقرف يقضي بأن المشاركة في
الانتخابات بنظام الصوت الواحد ضرورة تمليها مصلحة القبيلة لا مصلحة
الوطن !

     منذ ذلك الحين وأنا أرصد ردود الأفعال لدى أبناء القبائل ذات
الكثافة العددية والتي اختلط فيها التهكم والمزح بالتعبير الواضح عن
الامتعاض من تراجع تمثيلهم القبلي في البرلمان لصالح تمثيل القبائل الأقل
عددا ؛ إذ أنه وفق مقاييس ثقافة الفرعيات المتخلفة فإن القبائل الأكثر
عددا أحق بكراسي الدائرتين الرابعة والخامسة وبعض كراسي الدوائر الثلاث
الأولى من قبائل ينبغي على المنتمين إليها أن يحمدوا ربهم على أنهم
مواطنون يتقاضون رواتب من الدولة ويتمتعون بخدماتها الأساسية ضمن الحد
الأدنى ولا يجوز لهم أن يتطلعوا إلى ما هو أكبر من ذلك !!!

     بالأمس بدأت معالم الصفقة تتكشف بين السلطة والقوى الفاعلة في
القبائل ذات الأعداد الكبيرة تساندها جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في
حدس ؛ تلك الصفقة المتمثلة في وقف المقاطعة مقابل العودة لنظام الأصوات
الأربع أو الصوتين على الأقل ، وقد يقول قائل بأن تقرير اللجنة التشريعية
تحدث عن صوت للناخب ضمن دائرته وصوت آخر لأي مرشح يريده من خارج الدائرة
وفي تصور مختلف ثلاث أصوات ضمن دائرته وصوت خارجها ؛ ونقول ردا على هذا
الكلام بأن الفكرة غير واقعية في وضع الكويت الحالي وآلية الفرز المتبعة
وهذا ما سيُقال تحت قبة عبد الله السالم حين عرض التقرير على المجلس
والذي سيقر حسب تقديري العودة إلى نظام الصوتين كحل وسط بين الواحد
والأربعة !

     إنها خطيئتكم يا أبناء القبائل قليلة العدد فاجنوا حصادها المر
وخلو كرسي القبيلة الذي فرحتم به ورقصتم على أنغامه ينفعكم حينما تعانون
من حالة تهميش أكبر من تلك التي عشتموها أيام نظام الأصوات الأربع سيئ
الصيت ، أما أنتم يا أبناء القبائل الكبيرة عدديا فاحذروا نظام الصوتين
الذي سيفتت قبائلكم الكريمة إلى أفخاذ تتصارع فيما بينها تصارعا مكشوفا
قد يتطور في مرحلة لاحقة إلى حالة أخطر لا نتمناها لكم ، وعليكم أنتم
وإخوانكم من أبناء بقية القبائل أن تعلموا أن كويت الدائرة الواحدة يجب
أن تكون هدفكم وهدف كافة أبناء الوطن بدل التفكير في الصوتين أو الأربع
أصوات أو التعاطي المتخلف مع نظام الصوت الواحد .

     بقيت كلمة أتوجه بها إلى مقام سمو الأمير رعاه الله وأقول : إن
خطوة سموكم بإصدار مرسوم الصوت الواحد كانت خطوة جريئة وكبيرة في الاتجاه
الصحيح نتمنى أن يتم تعزيزها بكويت الدائرة الواحدة ونظام القوائم
الانتخابية ثم الانتقال تدريجيا نحو نهج سياسي شبيه بما هو معمول به في
الأردن والمغرب والذي يعد حالة وسطا بين الملكية الدستورية في أوربا
والنظام الشمولي في إدارة الدولة المعمول به خليجيا والذي عفا عليه الزمن
، فحكومة تكنوقراط لا يرأسها شيخ صباحي وتُسنَد مناصبها السيادية
والخدمية للكفاءات من أهل الكويت دون النظر إلى انتماءاتهم الفئوية أو
القبلية أو الطائفية هو ما يناسب الكويت مستقبلا ، أما العودة إلى نظام
الصوتين أو الأربع أصوات وفق صفقات سياسية مبنية على ثقافة إرث متخلف
فإنها ستكلف الكثير وستدخل البلاد في نفق مظلم لا يمكن لأي منا التنبؤ
بعواقبه .

     كلمات سطرناها بروح الحريص على وطنه وشعبه وجرس إنذار نقرعه ؛ فهل
من منتبه ؟؟؟

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

وقفات في رحاب ذكرى الغزو العراقي : ج٤

    بإذن الله سنختم في هذا المقال وقفاتنا في رحاب ذكرى الغزو العراقي
للكويت ، وما كان استطرادنا في الحديث عن الوضع السياسي الإقليمي والدولي
قُبيل الغزو إلا لسبب واحد هو أن صانع القرار العراقي آنذاك بنى حساباته
الخاطئة في اتخاذ قرار الغزو وفق قراءته الخائبة لمعطيات مواقف أمريكا
الانتهازية أولا ثم إيران ثانيا وثالثا السلوك السعودي الذي عزز لدى
المستبد العراقي الصورة المغلوطة لوضع سياسي قرأه صدام على أساس إملاءات
رغبته في ابتلاع الكويت وليس كما هو على أرض الواقع ...

    الوقفة الرابعة – النفط : عانت السياسة النفطية في العراق والكويت
معًا من حالة انعدام الشفافية طوال ثمانينيات القرن الماضي ، ففي العراق
كان كل شيء يسير بموجب قرارات الدكتاتور المستبد بعيدا عن مصلحة الدولة
كدولة وبعيدا عن المهنية في إدارة شؤون الوزارات كافة ومن بينها وزارة
النفط التي كان يتولاها مع حدوث الغزو شخص مهني اسمه عصام عبد الرحيم
الجلبي ، ولا أعلم شخصيا متى تم تعيينه بالضبط لأن الوزراء في عراق صدام
حسين من غير آل المجيد لم يكونوا سوى موظفين إداريين لا قيمة لهم ولا
يُعرف عن سيرتهم إلا القليل .

    أما في الكويت فقد تولى علي الخليفة العذبي الصباح وزارة النفط
والمالية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي ؛ ثم أُسندت وزارة
المالية إلى جاسم الخرافي وظل علي الخليفة محتفظا بحقيبة وزارة النفط حتى
أطلق صدام تهديداته الشهيرة أواخر مايو من عام 1990 م ، بعدها بأيام جرت
انتخابات ما سُمي المجلس الوطني في الكويت وتشكلت على إثرها حكومة لم
يشارك فيها جاسم الخرافي وأُسندت وزارة المالية من جديد إلى علي الخليفة
والذي تخلى عن وزارة النفط ؛ ( العنوان الرئيسي لتهديدات صدام ) ، وتم
إسناد حقيبة النفط إلى رجل مهني وطني هو الدكتور رشيد سالم العميري .

    في فترة تولي علي الخليفة لوزارة النفط وتحديدا في 9/8/1988 أي بعد
24 ساعة من إعلان وقف إطلاق النار بين العراق وإيران رفعت الكويت في خطوة
مفاجئة إنتاجها البترولي في قرار لم تكن للكويت كدولة مصلحة في اتخاذه ،
ولم تكن تلك الخطوة موجهة ضد العراق بالضرورة لكنها كانت حتما متسقة مع
حسابات ومصالح أمريكا والتي كان لها رجالها في مطبخ صنع القرار الكويتي
!!!

    بعد تصاعد الأزمة العراقية الكويتية وجد وزير النفط العراقي عصام
الجلبي ونظيره الكويتي حديث التعيين رشيد العميري نفسيهما أمام اختبار
عسير ، وللأمانة فإن الرجلين قبل الغزو بأسبوع قد تعاملَاْ مع الأزمة
بمهنية إذ اتفقا مع بقية نظرائهما في أوبك على تخفيض محدود في إنتاج
البترول بما يرفع سعر البرميل من 18 إلى 21 دولارا وكانت تلك الخطوة
متناغمة تماما مع مصلحة العراق والكويت كما أن صورة ملفتة للانتباه جمعت
الوزيرين الجلبي والعميري وهُما يتبادلان الحديث والابتسامات ؛ لكن جهود
وزيري النفط الكويتي والعراقي لم تكن كافية للحيلولة دون اجتياح الكويت
الذي كان صدام قد عقد العزم عليه منذ مارس عام 1990 م !!!

    وقد تمت معاقبة عصام الجلبي في العراق ورشيد العميري في الكويت
بسيناريوهين مختلفين ، فبالنسبة لعصام الجلبي عزل من منصبه أثناء الغزو
في أكتوبر عام 1990 م ؛ إذ بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق تضررت
منشآت تكرير البترول العراقية المترهلة أصلا حتى قبل الحصار ، فاتخذ عصام
الجلبي قرارا مهنيا بوقف عمل المصافي وغلق محطات تعبئة الوقود في كافة
أنحاء العراق والكويت المحتلة ، سبب ذلك القرار تذمرا لدى الشعب العراقي
الذي لم يكن مُقتنعا أصلا بالغزو ؛ وكانت هذه أول مرة يخشى فيها نظام
صدام حسين من انتفاضة شعبية فقام باتخاذ قرار عزل الوزير الجلبي وإلغاء
قراره في مساء يوم جمعة لا أذكر تاريخه بالضبط ؛ لكن قرار العزل وإعادة
فتح المصافي ومحطات البنزين قد بُث عبر التلفزيون في الساعة العاشرة مساء
فتقاطر الناس بعدها لتعبئة سياراتهم بالبنزين وكُنا من ضمنهم ، وحمل
البيان الرسمي الوزير المسكين عصام الجلبي مسؤولية ما اعتبره تقصيرا يرقى
إلى درجة الخيانة ؛ ولم أسمع شخصيا بعدها أي شيء عن عصام الجلبي حتى
يومنا هذا !!!

    أما معاقبة رشيد العميري في الكويت فقد تمت بعد تحرير البلاد من
المحتل العراقي الذي أشعل حقده النار في معظم آبارها النفطية بحرائق لوثت
البيئة في أنحاء واسعة من شبه الجزيرة العربية والعراق وإيران وليس في
الكويت فقط ، ومع ضخامة هذه الحرائق إلا أن الوزير العميري صرح بأن
إطفاءها ممكن خلال سبعة أشهر وبتكلفة أقل مما روجت له الأوساط الأمريكية
التي ادعت أن تصريحات الوزير العميري خاطئة وأن إطفاء الحرائق يحتاج عدة
سنوات ، فما كان من السلطة الكويتية إلا أن جاملت الأمريكان وعزلت رشيد
العميري من منصبه ؛ لكنها لم تتهمه بالتقصير ولا بالخيانة مثلما فعل
النظام العراقي مع عصام الجلبي ولم تغيبه عن الأنظار ، وأثبتت الوقائع
صحة كلام الدكتور رشيد العميري وانطفأت حرائق الآبار النفطية فعلا خلال
سبعة أشهر ، لكن الأمريكان ومَن شاركهم من الانتهازيين خارج الكويت ومن
الكويتيين أنفسهم هم الذين نالوا القسم الأكبر من كعكة أطفاء حرائق
الآبار ، أما الدكتور رشيد العميري فقد نال احترام وتقدير الشرفاء من أهل
الكويت ؛ وكفى بها مكافأة ما زال وسيظل ينعم بها الدكتور العميري ، أما
الانتهازيون فإن لهم حكايات أخرى سنتناولها بإذن الله في مقالات حول فترة
الاحتلال والتحرير في وقت لاحق ...

    ليست تلك كل الوقفات مع الغزو وذكرياته ؛ لكننا أوردنا في هذه
السلسلة ما نظن أن الإعلام الرسمي وغير الرسمي لم يذكره ولن يذكره ،
ولأهل الكويت الذين عاشوا تلك الفترة وقفات ووقفات مع ذكراها ؛ فكل له
تجربة ولكل تجربة تفاصيلها الخاصة .

الاثنين، 1 أغسطس 2016

وقفات في ذكرى الغزو العراقي ( ج٣ )

    نواصل وقفاتنا في رحاب ذكرى الغزو العراقي للكويت .

    الوقفة الثالثة – وضع الكويت إقليميا ودوليا قُبيل الغزو : أثناء
المواجهة العسكرية بين العراق وإيران كانت الكويت تمثل ثاني الداعمين
ماليا للنظام العراقي السابق بعد السعودية ؛ وكان ميناء الشعيبة الكويتي
يشكل مع نظيره ميناء العقبة الأردني الرئتين اللتين كان يتنفس منهما
العراق إبان فترة الحرب التي دامت ثمان سنوات كان العراق يقف في ست سنوات
منها موقف الدفاع والمتلقي للهجمات الإيرانية منذ 11/7/1982 م وحتى نهاية
الحرب في 8/8/1988 م ، فمن الطبيعي أن تكون العلاقات الكويتية الإيرانية
مكبلة بالإرث الثقيل لفترة الحرب خاصة وأن إيران قد قامت بقصف ناقلات
ومنشآت الكويت النفطية كردة فعل على وقوفها مع نظام صدام ؛ كما أن إيران
أيضا قد رعت عمليات إرهابية في الكويت كانت أخطرها محاولة اغتيال الأمير
الراحل الشيخ جابر الأحمد يرحمه الله في 25/5/1985 م ، فانتهت الحرب بين
العراق وإيران وعلاقات الأخيرة بالكويت شبه مقطوعة .

    أما في الجنوب فقد وقع ما لم يكن في الحسبان ؛ حيث تداخلت ثلاث
ملفات في العلاقات الكويتية السعودية يطول الحديث فيها ، وكانت تلك
الملفات كافية لتوتير العلاقات بين البلدين في الربع الأخير من عام 1989
م وبداية العام 1990 م حتى حدوث الغزو العراقي ، وقد تحدثت عن ذلك الصحف
البريطانية قبل الغزو بعشرة أيام وأثناء فترة التهديدات العراقية قائلة
إن علاقات آل سعود بصدام حسين أقوى من علاقاتهم بآل الصباح !!!

    نخلص من كل ذلك إلى حقيقة مُفادها أن الكويت عانت في فترة ما قبل
الغزو العراقي من يتم سياسي إقليمي تمثل في توتر علاقاتها بالسعودية
وإيران في وقت واحد ؛ وكان صدام حسين يقرأ ذلك التوتر بلغة زعيم العصابة
البلطجي لا بعقل السياسي المحنك سواء كان خَيِّرًا أم شريرا !

    أما على المستوى الدولي فلم يكن هناك دور مؤثر في المنطقة لأي قوة
غير الولايات المتحدة الأمريكية والتي كان لها مع الكويت ملف أسود طوال
فترة ثمانينيات القرن الماضي وصولا إلى اللقاء الشهير بين سفيرتها في
بغداد غلاسبي والرئيس الراحل صدام حسين يوم 26/7/1990 م والذي أوحت عبره
أمريكا عن عمد لصدام بغزو الكويت تحقيقا لهدف استراتيجي كبير لم تكن
العقلية الضحلة لزعيب عصابة آل مجيد لتدركه !

    في عام 1985 م ضغطت أمريكا على الكويت كي تشتري مجموعة سنتافي ذات
الأسهم المنهارة مثلما فعلت بعد 23 سنة أي في عام 2008 م حين ضغطت على
الكويت قُبيل حدوث الأزمة المالية العالمية لتشتري أسهما خاسرة في
مجموعتي سيتي غروب وميريلانش وهو ما أدى إلى تكبد الكويت خسارة كبيرة جدا
، وبالعودة إلى أجواء ثمانينيات القرن الماضي نذكر بأن قصة السنتافي هذه
كانت أحد الأسباب التي أدت إلى حل مجلس الأمة في الكويت عام 1986 م حلا
غير دستوري لم تحتج عليه أمريكا كعادتها في مثل هذه الحالات ولم تطالب
الحكومة الكويتية باحترام الديمقراطية وما إلى ذلك من أسطوانات أمريكية
مشروخة !!!

    مع كل ذلك لم تحفظ أمريكا للكويت صنيعها ؛ فقد رفض الأمريكان بيع
صواريخ ستنغر للكويت رغم حاجتها إلى تلك الصواريخ ؛ ثم إنها استغلت ورطة
الكويت حين تعرضت ناقلاتها النفطية للقصف الإيراني واشترطت رفع العلم
الأمريكي على تلك الناقلات وهو ما لطفه الخطاب الرسمي الكويتي عام 1987 م
ليسميه : " إعادة تسجيل الناقلات في الولايات المتحدة الأمريكية " ، ولو
كان الأمريكان حلفاء مخلصين لقدموا الحماية للناقلات الكويتية ولو بمقابل
مادي دون الحاجة إلى هذا الأسلوب المهين في التعامل مع الكويت !!!

    كل تلك الظروف كان يرقبها صدام حسين خاصة في فترة ما بعد توقف الحرب
مع إيران ؛ وكان هذا البلطجي يفكر في ابتلاع الكويت عبر سيناريو واحد فقط
وهو الاجتياح والضم لأنه كان يحتقر الكويتيين حكاما ومحكومين ؛ وقد قال
عنهم في 23/7/1990 م عبر خطاب له ثرثر فيه كعادته مدة تناهز فترة فلم
هندي : " هناك بعض العرب لا يستحقون الحياة " !!!

    لذلك فقد تراسل صدام مع الرئيس الإيراني وقتها هاشمي رفسنجاني في
21/4/1990 م وأخبره فيها أن العراق وإيران كانتا ضحية فتنة سببها الرئيس
الكويت ؛ فرد عليه رفسنجاني بأن إيران لن تتدخل في أي إجراء يتخذه صدام
بحق الكويت شريطة أن يوافق العراق على العودة لاتفاقية الجزائر الموقعة
بين البلدين عام 1975 م والتي مزقها صدام قُبيل اجتياح قوته للأراضي
الإيرانية وتحديدا في 17/9/1980 م معتبرا إياها اتفاقية مذلة ، فوافق
صدام على الشرط الإيراني ونفذه بعد غزو الكويت بأسبوعين وتحديدا في
16/8/1990 م في رسالة استسلام علنية ومذلة بعثها لرفسنجاني وأذاعها عبر
وسائل إعلامه الرسمية ، ولعل هذا هو ما يفسر الموقف الإيراني الذي عبرت
عنه صحيفة طهران تايمز المقربة من رفسنجاني في 23/7/1990 م حين قالت : "
إن العراق على حق في أنه لا يجوز لدول مثل الكويت والإمارات أن تجني
وحدها ثمار السلام عبر تجاوز حصص إنتاجها النفطي " !!!

    الموقف الإيراني كان من الناحية السياسية مفهوما رغم افتقاره للجانب
الأخلاقي ؛ فالعراق كان خصمه في حرب السنوات الثمان والكويت كان داعما
رئيسيا له فكان من المنطقي أن تستغل إيران حالة الخلاف بين البلدين ، لكن
الموقف اللئيم والإجرامي تمثل في السلوك الأمريكي والذي لم يكتفِ بإعطاء
الضوء الأخضر لصدام من خلال ما قالته له السفيرة غلاسبي وإنما جاءت إفادة
مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد ميرفي للكونغريس في 30/7/1990 م
لتؤكد الضوء الأخضر ؛ إذ قال ميرفي في إفادته أن أمريكا لا تملك آلية
تدخل سريع لمنع صدام من مهاجمة الكويت !!!

    أما بالنسبة للسعودية فإنها لم تكن شريكة في المؤامرة ؛ لكنها كانت
ولا زالت تعاني فشلا في إدارة علاقاتها مع جاراتها الخليجيات ، فكان
التوتر الذي ساد العلاقات السعودية الكويتية في ذلك الحين كافيا لجعل
صدام يعتقد بأن آل سعود لن يبكوا على الكويت وسيقبلون بضمه لها ، أما
مقولة أن صدام كان سيهاجم السعودية ودول الخليج فلم تكن سوى حجة لتسويق
التحشيد العسكري الأمريكي بعد الغزو ؛ فلو قبلت السعودية بضم العراق
للكويت ما كان صدام ليهاجمها !!!

    وقد أثبتت الأزمة الكويتية العراقية فشل منظومة مجلس التعاون
الخليجي ؛ إذ هدد العراق دولتين من دول المجلس عبر مذكرة ساق فيها
اتهاماته المعروفة ، فبدلا من أن تلتئم قمة طارئة لدول المجلس تعتبر فيها
تهديد الكويت والإمارات تهديدا لكل دول المجلس وترسل مذكرة عبر أمين عام
مجلس التعاون الخليجي إلى الجامعة العربية ترد فيها على العراق ردا موحدا
قامت الكويت بإرسال مذكرة منفردة يوم الخميس 19/7/1990 م وبعدها بيوم
واحد أرسلت الإمارات مذكرة منفردة أخرى ، أما السعودية كبرى دول مجلس
التعاون الخليجي وحاضنة مقر أمانته العامة فقد لعبت دور الوسيط بدل أن
تكون في مقدمة جبهة المواجهة ؛ فكانت النتيجة هي حدوث الغزو الذي كان
كارثة سياسية واقتصادية على السعودية ذاتها أكثر منه على الكويت !!!

    صدام حسين لم يكن يحترم العقول العراقية المبدعة وهذا شأن كل
دكتاتور مستبد ، ولو أنه استشارها لكان من الممكن أن يسمع منها رأي غير
الغزو والاحتلال ؛ فمثلا كان بإمكان صدام عبر الانتهازية السياسية أن
يستغل حالة توتر العلاقات الكويتية مع السعودية وإيران ليدعو الكويت إلى
الانضمام لمجلس التعاون العربي بدل مصر ليجعل من البلد الصغير الضعيف
حديقة خلفية له دون أن يرسل إليها جنديا واحدا ، لكنه الحمق والرعونة
والطمع هو ذلك الذي ساق صدام إلى حفرة الكويت يوم 2/8/1990 م ليكون ذلك
اليوم هو التاريخ الحقيقي لسقوط بغداد وليس يوم 9/4/2003 م !!!

    في مقالنا القادم سنختم بإذن الله وقفاتنا في رحاب ذكرى الغزو العراقي .

الأحد، 31 يوليو 2016

وقفات في رحاب ذكرى الغزو العراقي ( ج٢ )

    بعد المقدمة التي عرضناها في مقالنا السابق هيا بنا نقف معًا في
رحاب ذكرى الغزو العراقي للكويت ...

     الوقفة الأولى – الأطماع : بعد تحرير بلادنا من الاحتلال العراقي
عاش بعض الإعلاميين والأكاديميين الكويتيين الدور أكثر من اللازم فطفقوا
يربطون الغزو العراقي بأطماع قديمة ، وأذكر أن مقرر الصف الأول المتوسط
الذي دَرَّسْتُهُ لتلاميذي مُجبرا غير مقتنع تحدث عن تحركات البارجة
العثمانية زحاف باتجاه الكويت عام 1902 م وأدرجها ضمن تاريخ الأطماع
العراقية في الكويت ؛ علما بأن الكيان السياسي للعراق كدولة لم يكون
موجودا أصلا آنذاك حتى يطمع في الكويت أو غيرها ؛ والحمد لله أنه قد تم
حذف هذا الطرح السخيف من المقرر !!!

    لم توجد أطماع عراقية في الكويت قبل تهديدات عبد الكريم قاسم ،
فالعراق كدولة اِصْطُنِعَ من قِبل الإنجليز الذين جمعوا من خلاله نفط
البصرة بنفط كركوك ؛ وجعلوه مملكة ولوا عليها رجلا حجازيا هاشميا ليكون
حلا وسطا يلملم فُسَيْفِسَاْءَ ما كانت لتجتمع لو لم تلف بعباءة هاشمية
في دولة تم إعلان قيامها يوم عيد الغدير كي يرضى السنة عن مذهب ملكها
ويرضى الشيعة عن نسبه ويوم إعلان دولته ، وكل ذلك تم برعاية الإنجليز
الذين كانوا يحمون الكويت وفق اتفاقية تمنع شيخها من إدارة شؤونها
الخارجية ، ومن تلك الشؤون ترسيم حدودها عام 1932 م وفق ترتيبات بريطانية
لم تكن مصحوبة بتهديدات عراقية ، أما قصة التحركات العثمانية باتجاه
الكويت فإنها ترتبط بأحداث يعرفها شيوخ الكويت والمطلعون على حقيقة
تاريخها تمام المعرفة ؛ ولا صلة لتلك التحركات بتهديدات قاسم أو غزو صدام
لا من بعيد ولا من قريب .

    الوقفة الثانية – الظروف الداخلية في الكويت ما قبل الغزو : حدث
الغزو العراقي في فترة الحل غير الدستوري الثاني لمجلس الأمة الكويتي
وبُعيد مطالبات ومظاهرات عرفها الكويتيون باسم دواوين الاثنين ثم استحداث
ما سُمي المجلس الوطني الذي جرت انتخاباته في 10/6/1990 م أي قبل أقل من
شهرين من الغزو العراقي ، وبعد ما قارب العشرين سنة من تلك الأحداث أطلت
علينا أبواق محسوبة على أطراف لا تحب الديمقراطية الكويتية رغم نقصانها
لتدعي أن دواوين الاثنين ومَن يقف وراءها كانت سببا مباشرا في حدوث الغزو
!

    الحقيقة أن تلك المقولة ادعاء كاذب لا أساس له من الصحة مُطلقا ،
فصدام لم يحسب أبدا حسابا للوضع الداخلي الكويتي ولم يتصل بأي من
السياسيين الكويتيين وكان يعلم تماما أن أحدا منهم لن يتعاون معه باعد
احتلاله للكويت ، إضافة إلى ذلك فإن مطالبات دواوين الاثنين التي كانت من
محرمات كويت ذلك الزمان كانت في عراق صدام حسين من الموبقات المهلكات ؛
فلا يمكن تصديق فرية ارتباط تلك المطالبات بالاحتلال العراقي .

    في مقالنا القادم بإذن الله سنكمل بقية الوقفات .

السبت، 30 يوليو 2016

وقفات في رحاب ذكرى الغزو العراقي

تحل علينا يوم الثلاثاء القادم الذكرى الخامسة والعشرين لاجتياح الكويت
وغزوها من قبل النظام العراقي السابق بقرار جمع فيه الرئيس الراحل صدام
حسين بين الإجرام والرعونة السياسية والاستبداد في وقت واحد !

     شخصيا أظن أن استذكار فترة ما قُبيل الغزو أهم بالنسبة لنا من
استذكار الغزو ذاته ؛ إذ أن استذكارنا لعملية الغزو ستجعل الصورة الذهنية
لدينا محصورة في قضية بلدنا الصغير المسالم الذي طعنه جاره الغادر
والتفاف شعبنا حول شرعيته وما إلى ذلك من أمور أشبعها إعلامنا الرسمي
طرحا وعرضا حتى باتت أسطوانة مملة رغم كون محتواها حقا وليس باطلا !

     في تلك الأيام من عام 1990 م كُنا نعيش أجواء الأزمة الكويتية
العراقية والتي بدأت رسميا يوم 15/7/1990 م عندما أرسل طارق عزيز وزير
خارجية العراق آنذاك مذكرة إلى الشاذلي القليبي أمين عام جامعة الدول
العربية والتي كانت حينئذٍ تتخذ من تونس مقرا لها بدل القاهرة مقرها
الأصلي الذي انتقلت منه بعد اتفاقية السلام المصرية الصهيونية التي رفضها
العرب عام 1979 وعلقوا بسببها عضوية مصر ثم قبلوها وهرولوا جميعا باتجاه
الكيان الصهيوني سرا وعلانية ، واتهم طارق عزيز الكويت والإمارات بإغراق
سوق النفط عن طريق تجاوز حصص إنتاجهما المقررة في أوبك وساق اتهامات
متعددة للكويت تحديدا وهو ما يؤكد أن إقحام اسم الإمارات كان مجرد ذر
للرماد في العيون وأن الكويت هي المقصودة بالتهديد والوعيد ؛ لكن لأن
تهمة تجاوز حصص الإنتاج لا يمكن إلصاقها بالكويت وحدها لأن كل أعضاء
الأوبك كانوا يتجاوزونها فقد تم إقحام اسم دولة أخرى كي يكون شكل التهمة
أشيك قليلا !

     حقيقة الأمر هي أن الأزمة لم تبدأ منذ منتصف تموز عام 1990 وإنما
بلغت مداها في مؤتمر القمة العربية في بغداد أواخر شهر مايو من نفس السنة
؛ حيث وجه صدام حسين تهديدا شديد اللهجة إلى أشقاء عرب لم يسمهم ادعى
أنهم أضروا بالعراق وكانت لغته متشنجة وغير مسبوقة في القمم العربية
والتي كُنا ولا زلنا لا نهتم بمتابعتها وهو ما لم يجعل لكلام صدام أثره
في الرأي العام وقتها والذي ربما أن جُلَّ الأفراد المكونين له لم
يستمعوا إليه إلا بعد حدوث الكارثة عبر المواد المسجلة والأفلام
الوثائقية وأخيرا عبر اليوتيوب !

     الزعامات السياسية كانت تعرف حين استمعت لكلام صدام ما يعنيه
بالضبط ؛ وشخصيا أذكر أنه قد تمت زيارات متبادلة بين مسؤولين كويتيين
كبار ومسؤولين عرب منذ بداية عام 1990 م قدمت لنا وقتها في نشرات الأخبار
على أنها زيارات رسمية لتعزيز العلاقات بين الدول الشقيقة ، لكن اصطفافات
مواقف حكومات الدول العربية ما بعد كارثة 2/8/1990 م كشفت عن أمور أخرى
لا صلة لها بالعلاقات بين الدول الشقيقة !

     في رحاب ذكرى الغزو العراقي للكويت لنا وقفات سنتناولها في مقالنا
القادم إن شاء الله .

السبت، 16 يوليو 2016

مطب الفيصل ومرتزقة رجوي

    لو تأملنا اَلْفُسَيْفِسَاْء الإيرانية لوجدنا العنصر الفارسي
يسودها بغض النظر عما تشكله نسبة الفرس كقومية من سكان الدولة الإيرانية
، والفرس بشيعتهم وسنتهم بمتدينيهم وليبرالييهم كلهم يؤمنون بفارسية
الخليج العربي ، ولو أن سنيا فارسيا يصلي التراويح وفق سنة عمر بن الخطاب
رضي الله عنه حكم إيران لما تراجع عن ذلك الثابت بالنسبة للفرس ولما
انسحب من الجزر العربية المحتلة وطبعا لما انسحب من الأحواز المحتلة ولما
أعطى العرب فيها حتى حكما ذاتيا أو ساواهم في حقوق المواطَنة مع غيرهم ،
ومواجهة هؤلاء إنما تتم بترتيب بيتنا الخليجي المنخور الذي عجز عن سك
عملة موحدة وتنافست بعض دوله بشكل مخجل على كعكة مصر ما بعد الثورة حتى
اختلفت فيما بينها ؛ وهذا ما فكر فيه الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله
حين اجتمع مع شاه إيران عام 1968 م وفق مبدأ الند للند كي نفرض احترامنا
كعرب عليه ، ولو أن الظروف ساعدت الملك فيصل على استكمال مشروعه السياسي
لتغير وجه التاريخ لكن قدر الله وما شاء فعل .

    أما العنصر الثاني الذي يهمنا في مجموعة الطيف الإيراني فهم العرب
الأحوازيون والذين تعرضوا ويتعرضون لاضطهاد حكام إيران المتعاقبين رغم أن
جلهم من الإخوة الشيعة مما يؤكد أن الحسابات السياسية لصانع القرار
الإيراني لا تحترم التشيع وإنما تمتطي صهوته لتحقيق مآرب التوسع وتبرير
التدخل في شؤون الآخرين ، والعرب الأحوازيون يشعرون بأننا تخلينا عنهم
فقط لأنهم شيعة لذلك فإنهم يطمحون لقيام كيان شيعي عربي قوي في جارتهم
العراق ليستندوا عليه بل وربما لينضموا إليه ؛ لذلك فإن دهاة السياسة في
إيران وعلى رأسهم رفسنجاني أدركوا تلك الحقيقة وحينما ضعُف سلطان الخميني
واشتعل الخلاف بينه وبين منتظري أقرب مساعديه تسلم رفسنجاني زمام الأمور
عمليا إبان فترة العدوان الإيراني على العراق فتراجع عن أهم الشروط التي
كان قد وضعها الخميني لوقف ذلك العدوان أَلا وهو تنحي الرئيس العراقي
الراحل صدام حسين عن الحكم بهدف إقامة نظام سياسي في العراق على النمط
الإيراني ، وعندما احتل الأمريكان العراق حرصت إيران على التحكم بالطيف
السياسي الشيعي في العراق واخترقته عن طريق حفنة من الخونة على رأسهم
نوري المالكي بُغية منع شيعة العراق من إقامة كيان سياسي قوي وغني ومستقل
بقراره سيحظى إن قام باحترام شيعة العالم وتعاطفهم لوجود النجف وكربلاء
ضمن رقعته الجغرافية ؛ وسيكون شيعة الأحواز المحتلة أول الطامحين لمعانقة
الكيان الشيعي العربي القوي في العراق إن قام وهذا ما يخشاه دهاقنة الفرس
ولذلك حطموا التيارات السياسية الشيعية في العراق وشرذموها وتسلطوا على
الشرفاء من شيعة العراق وأبعدوهم عن المشهد السياسي !!!

    أما الطيف الثالث الذي يهمنا في إيران فهو السنة كطائفة ، والسنة في
إيران فيهم بلوش وهم الأكثر تحديا للسلطة الإيرانية ولا ترتاح لهم
السعودية لارتباط العناصر النشطة فيهم بالقاعدة وطالبان إلم يكن تنظيميا
فعلى الأقل فكريا ولذلك فإنها لم تضع ضمن حساباتها فكرة دعمهم ، وضمن
السنة في إيران أيضا  الأكراد والتركمان الذين حاربوا نظام الملالي في
بداية حكمه ؛ وفيهم الفرس وهم قلة مهمشة وبعض الأقليات الأخرى ، والطائفة
السنية في إيران لا تتمتع بأية حقوق إلى حد أن الدولة الفارسية أخلت
العاصمة طهران من مساجد السنة لكنهم لم يشكلوا أبدا طيفا واحدا يمكن
التعامل معه على أساس أنه يمثل السنة وهذا ما جعل فكرة دعمهم من السعودية
تكاد تكون مستحيلة !!!

    أما منظمة مجاهدي خلق التي أسسها مسعود رجوي بُعيد وثوب الملالي إلى
السلطة فقد اختارت مباشرة التوجه إلى التعامل مع صدام حسين والارتماء
الكامل في أحضانه حتى قبل اندلاع المواجهة العسكرية المباشرة بين طهران
وبغداد وذلك بسبب إفلاسها في الداخل الإيراني ، لذلك فإنه بعد قيام نظام
الملالي بعزل أبو الحسن بني صدر آخر رئيس شرعي لإيران رفض بني صدر
التعامل مع هؤلاء المرتزقة رغم الجرح الذي سببه له الخميني وزمرته
المستبدة لعلمه أنه سيشوه تاريخه السياسي إن تعامل مع مرتزقة رجوي .

    وبعد التقارب بين نظام الملالي ونظام صدام حسين على إثر غزو الكويت
واستسلام صدام المذل لإيران بالعودة للقبول باتفاقية الجزائر أصبح مجاهدو
خلق أسرى لدى السلطة في بغداد والتي أعطت الإيرانيين معلومات عن معسكرهم
الرئيسي في جلولاء شرق العراق ؛ فقام الطيران الإيراني بقصفه عام 1993 م
بمباركة صدام وربما عبر طائرات الجيش العراقي التي هربها بطل القادسية
لإيران أثناء حرب تحرير الكويت !!!

    انحسر بعد ذلك مجاهدو خلق وبات بقايا عناصرهم في العراق مرتهنين في
معسكر أشرف الذي أُخلي عمليا منهم ، وابتعد مسعود رجوي عن الظهور السياسي
منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي تاركا لزوجته مريم البحث عن مدخل جديد
لإعادة الروح إلى منظمته المرفوضة داخليا في إيران !!!

    هذه هي الصورة والتي كان يُفترض أن الأمير تركي الفيصل يعلمها ويعلم
أنه سيكون محط السخرية إن وضع بيضة واحدة في سلة مرتزقة مريم وأيتام
مسعود رجوي ، ولقد جعلت أبواق نظام الملالي من فكرة دعم تركي الفيصل
لامرأة تقود دولة بحجم إيران في حين أن المرأة في بلده لا تقود سيارة على
الطريق قصة للتهكم ، فهل أدرك تركي الفيصل بعد سقوط الفأس بالرأس أن
حضوره لمؤتمر مرتزقة رجوي شكل إضافة جديدة إلى سجل فشله كرجل استخبارات
وديبلوماسي سابق ؟؟؟

الاثنين، 11 يوليو 2016

لن نطبل للسعودية ولن نصفق لتركي الفيصل !

المطبلون للسياسة السعودية أمرهم عجيب وهم ينقسمون إلى صنفين ، الصنف
الأول مرتزق مستأجر وهذا صنف موجود في كل دول العالم خاصة تلك القادرة
على تمويله ؛ فلا يصح أن نلوم نظاما سياسيا دون آخر على رعاية مرتزقته
بغض النظر عن موافقتنا أو عدم موافقتنا على أسلوب استئجار المرتزقة بُغية
تمجيد النظام .


  أما الصنف الثاني فهو الذي لا يوجد إلا لدينا في شبه جزيرة العرب أي
السعودية ومحيطها ؛ وهذا الصنف اختار لنفسه طائعا أن يطبل للنظام السياسي
وَيُخَطِّئُ مجرد انتقاده ، ومفهوم النظام السياسي لدى هؤلاء يعني كل فرد
ينتمي إلى الأسرة المالكة أو الحاكمة سموها ما شئتم ؛ إذ كل ما يقوم به
أي فرد من أفراد هذه الأسرة له مبرر وهو في نظرهم يمثل رؤية ثاقبة وسياسة
متميزة ما تخرش المية كما يقول إخواننا في أرض الكنانة !!!


  كِلَاْ الصنفين لم يعجبهم ما كتبتُه عن حضور الأمير تركي الفيصل
لمؤتمر المعارضة الإيرانية ، وهُنا سأرد على بعض النقاط التي أوردوها في
اعتراضهم على ما جاء في المقال ...


  أولا – قالوا إن موقف الأمير تركي الفيصل قد أزعج الروافض
والليبراليين ، وأنا لستُ ممَن يوصفون بالروافض ؛ أما الموصوفون
بالليبرالية في السعودية والخليج العربي فكلهم مع موقف تركي الفيصل وكلهم
مقربون من السلطة الحاكمة لأن ليبراليتهم تعني فقط معاداة أي فكرة يمثلها
أي شخص ذي لحية طويلة وثوب قصير ، ومع ذلك فإن السذج من المتأسلمين
يريدون إقناع أنفسهم قسرا بأن الأسرة المالكة السعودية تتبنى خطهم وهذا
غير صحيح مطلقا ، ويكفي رعاية الدولة السعودية لمنظومة الإمبيسي وما تبثه
من قيم تتماشى مع خط مًن يوصفون بالليبرالية وهي أبعد ما تكون عن القيم
التي كان يمثلها الشيخ ابن باز أو ابن عثيمين يرحمهما الله ومَن يسير على
خطهما ونهجهما !!!


  ثانيا – قالوا بأننا لم نتكلم إلا حينما حضر الأمير تركي الفيصل مؤتمر
المعارضة الإيرانية بينما نصمت عن تدخلات نظام ملالي طهران في شؤون دول
المنطقة ، وهذا كذب صُراح يشهد به خطنا في الكتابة أمام كل مَن يتابعنا
ولسنا بحاجة إلى سَوق مبررات الدفاع عن أنفسنا أمام مَن لا يتابعنا .


  ثالثا – تدخلات نظام ملالي طهران في شؤون دول المنطقة خطيئة كبرى ؛
والخطيئة لا تبرر الخطيئة المقابِلة من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى فإن
تدخلات إيران كدولة في شؤون جيرانها العرب وأطماعها في أراضيهم لم تولد
مع وثوب الملالي إلى سدة الحكم في طهران ولن تُوْأَدَ بسقوط نظامهم
المستبد ، وإن كان هناك مدخل يمكن لنا الرد على تدخلات إيران عن طريقه
فإن ذلك المدخل يكون إما بمساندة السنة في إيران ككتلة كبيرة مضطهدة ردا
على قيام إيران بممارسة دور تزعم فيه أنها المدافع عن الشيعة في بلداننا
رغم أنهم كتلة أقل بكثير من السنة في إيران وغير مضطهدة ، وإما أن ندخل
على خط الشأن الإيراني من خلال مساندة العرب الأحوازيين الذين يحتل الفرس
أرضهم ويضطهدونهم بدوافع عنصرية مقيتة يتعامل بها الإيرانيون حتى معنا
نحن ليس من خلال الإصرار على فارسية الخليج العربي فحسب بل أيضا بمحاولة
إجبارنا نحن على تبني تلك الكذبة التي تعاقبت نظم الحكم في إيران على
الترويج لها ، وقصة شركة طيران الخليج ووكالة أنباء الخليج يعرفها الأمير
تركي الفيصل حتما ويعلم أنها حدثت في عهد الشاه وليس في عهد الملالي !!!


  تركي الفيصل لم يتبنَّ مساندة سنة إيران ولا عرب الأحواز وإنما ذهب
لحضور مؤتمر مثلت فيه العجوز الشنطاء مريم رجوي الوجه الأبرز ، فمَن هي
مريم رجوي وكيف برز اسمها وإلى أي تنظيم تنتمي ؟؟؟


  تلك أسئلة سنجيب عنها في مقالنا القادم ؛ لكن ما يمكننا قوله هُنا هو
أن مريم رجوي تتبنى فكرة فارسية الخليج وتحتقر العرب الأحوازيين وتتبنى
تسمية أرضهم المحتلة بإقليم خوزستان ، فما الذي حققه حضور الأمير تركي
الفيصل لمؤتمرها ؟؟؟

تركي الفيصل والحسابات الخائبة :

في عام 1957 م أعلنت إيران الشاهنشاهية ضم البحرين العربية إلى أراضيها
باعتبارها المحافظة رقم 14 من محافظات الدولة الفارسية !

وبعد سنوات من ذلك الإجراء الاستفزازي استُقبل شاه إيران في بعض دول
الخليج العربية استقبال الأبطال واجتمع معه مَن اجتمع من زعمائها وصولا
إلى قبول الشاه وتكرمه وتفضله على العرب بعدم احتلال البحرين لكن دون
إلغاء قرار ضمها بل ومقابل قبول العرب بالتسوية الإنجلوفارسية والتي
سُلمت بموجبها الجزر العربية الثلاث ( طنب الكبرى + طنب الصغرى + أبو
موسى ) إلى إيران التي لم يعترف شاهنشاهها البهلوي بالبحرين إلى حين
انتهى عمره الافتراضي ومقابل رضى العرب بإسقاط صفة العروبة عن شركة طيران
الخليج ووكالة أنبائه ، كما لم يقدم الشاه أي شيء للشيخ زايد يرحمه الله
حين زاره في طهران سوى 21 طلقة ترحيب مدفعية حسب البروتوكولات الدولية
!!!

وبعد وثوب الملالي للحكم في طهران بتواطؤ غربي عززت إيران سياساتها
الاستفزازية تجاه دول الخليج العربية بأكثر مما كان عليه الحال إبان حكم
الشاه ، ولسنا بحاجة إلى سرد أحداث ما بعد عام 1979 م والمستمرة حتى
يومنا هذا ؛ إذ أن تلك الأحداث باتت محفوظة ومحفورة في ذاكرة المواطن
العربي الخليجي الذي كان وما زال يطمح إلى ترتيب بيته واستثمار إمكانات
ومكانة جزيرته العربية بما يجعل لها هيبة إقليمية واحتراما عالميا ، فإذا
بالعربي المسكين على ضفاف خليجه الناطق بالضاد يُصاب بالخيبة تلو الخيبة
خاصة بعد الفشل السياسي الذريع الذي أثار شهية صدام لاجتياح الكويت ؛ ذلك
الاجتياح الذي كانت أخطر تداعياته تغول إيران في المنطقة في ظل هرولة
ملوك الطوائف العربية نحو طهران طلبا لرضاها ، فما كان من الملالي إلا أن
اقتنصوا ثمرة الغزو الأمريكي البريطاني للعراق والذي موله العرب ودعموه
لوجستيا ثم ها هي الأفعى الفارسية تلتف حول عنق جزيرتنا العربية من الشرق
والشمال والجنوب بسبب خيباتنا المتكررة والتي أتى حضور الأمير تركي
الفيصل لمؤتمر المعارضة الإيرانية ليزيد طينها بلة !!!

نفترض أن الأمير تركي الفيصل وهو رجل الاستخبارات والدبلوماسية المخضرم
يعرف تماما تلك الأحداث التي ذكرناها بالتفصيل ويعرف ما لا نعرفه نحن من
تفاصيل أحداث غيرها ؛ ونفترض أنه قد أدرك أن مشكلة العرب هي في خيبتهم لا
في قوة الطرف الفارسي ؛ ونفترض أنه يدرك خطورة لعبه بالنار حينما يدخل
على خط الشأن الإيراني بهذه الطريقة التي تثبت أن هذا الرجل لم يتعلم
شيئا من دروس خطيئته في أفغانستان عندما سار في رِكاب الأمريكان دون أن
تكون لبلده أي مصلحة في ذلك بل إنها تضررت وما زالت تتضرر نتيجة الفكر
الضال الناشئ عن كذبة الجهاد الأفغاني والتي فرخت لنا جيلا من شباب يشكل
الواحد منهم خطرا على أقرب الناس قبل أن يهدد سلامة المجتمع وأمنه !!!

نقول للأمير تركي الفيصل : أبشر فإن نظام الملالي سينهار حتما ؛ نعم
سينهار وسيسقطُه الإيرانيون بعدما سرق ثورتهم وثروتهم وبدد أحلامهم في
إقامة نظام سياسي يحترمهم ويعوضهم عما عاشوه من حيف إبان فترة حكم الشاه
، لكن ليس نظام الملالي وحده هو الذي سينهار لأنه ليس وحده الذي بدد
ثروات شعبه ؛ وليس وحده الذي دفع شباب بلده إلى المحارق باسم الجهاد إذ
لا فرق بين مَن دفع شبابه إلى محرقة سوريا بذريعة الدفاع عن مقام السيدة
زينب وذلك الذي دفعهم إلى محرقة أفغانستان باسم جهاد السوفييت الشيوعيين
الملحدين !!!

نذكر الأمير تركي الفيصل بأن حضور الأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن
السابق لمؤتمر ما سُميت المعارضة العراقية صيف العام 2002 م قُبيل
العدوان الأمريكي البريطاني على العراق كان المشهد الأخير في تاريخه قبل
أن يموت وهو حي بانقطاع ذكره وأخباره نهائيا ؛ ونحن لا نتمنى لكَ يا أمير
تركي المصير نفسه ، ونختم بسؤال نظنه بريئا والله أعلم : هل تم حضورك يا
سمو الأمير لمؤتمر المعارضة الإيرانية بالتنسيق مع القيادة السياسية في
بلدكَ أم أنها خطوة اتخذتَها أنت منفردا لحاجة في نفس يعقوب ؟؟؟

السبت، 25 يونيو 2016

لسنا نادمين يا محمد الصقر وأنت كيفك !

    في اللقاء الذي أجرته معه الإعلامية جيزيل خوري في برنامج المشهد
على قناة بيبيسي قال النائب السابق محمد جاسم الصقر أنه نادم على موقفه
المؤيد لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين !

    ولأن مقدمة البرنامج ليست على صِلة بالشأن المحلي الكويتي ولا تملك
أرشيفا إعلاميا لما نشرته وسائل إعلامنا عبر سنوات طويلة مضت فإنها لم
تشاهد لقاء الصقر على تلفزيون الكويت مع الإعلامي أحمد شمس الدين عام
1993 م والذي قال فيه الصقر الحقيقة عندما سئل عن قصة الموقف إزاء نظام
صدام إبان فترة العدوان الإيراني على العراق ، إذ قال الصقر بأن مشكلتنا
كانت تكمن في سياسة تصدير الثورة التي انتهجها نظام ملالي طهران ؛ وكان
ضمن مشاهد فترة الحرب الإيرانية العراقية والكلام ما زال لمحمد الصقر أنه
حينما احتلت إيران قضاء الفاو العراقي القريب من حدود الكويت عام 1986 م
نشرت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات لبعض المسؤولين الإيرانيين مفادها
أن الخميني سيأتي إلى الكويت بالسيارة خلال أيام وهذا ما جعل ركبنا تصطك
من الخوف !!!

    نعم ؛ إنها الحقيقة ومفادها أن موقفنا إبان فترة العدوان الإيراني
على العراق ينقسم إلى شكلين أولهما سياسي تبنته الحكومة وقد جاء باتجاه
جبري مؤيدا للعراق ليس حبا في صدام ولا إيمانا بالمعركة القومية
والقادسية الثانية كما سماها ولكن لأن نظام الملالي الذي بدأ حملة تصدير
ثورته باتجاه الكويت والبحرين حتى قبل اشتعال الحرب مع العراق هو الذي
دفعنا رغما عنا لتأييد العراق ، أما الشكل الثاني فإنه إعلامي تمثل
تحديدا في الصحافة الكويتية بصورة تمجيد مبالغ فيه لصدام لم تكن تتطلبه
مقتضيات السياسة ولم يكن حتى صدام نفسه مهتما به !!!

    التاريخ يقول بأن أوساطا سياسية كويتية حافظت على خط اتصال مع
الحكومة الإيرانية حتى بعد بداية الحرب مع العراق ولم تشأ توتير العلاقات
مع الجانب الإيراني حتى بعد قيام طيرانه العسكري بقصف مركز العبدلي
الكويتي الحدودي مع العراق في أكتوبر عام 1981 م وكانت بعض القيادات
الإيرانية ترى في الساسة الكويتيين شخصيات مقبولة يمكن التحاور معها ؛
ولذلك فإنه حينما وقعت أزمة بقعة الزيت في الخليج العربي والناشئة عن
قيام الطيران العراقي باستهداف حقل نيروز البحري الإيراني أوفد مجلس
التعاون الخليجي كل من السيد راشد عبد الله النعيمي وزير الدولة للشؤون
الخارجية الإماراتي والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح نائب رئيس مجلس
الوزراء ووزير خارجية الكويت إلى كل من بغداد وطهران وهو ما يدل على
استعداد الجانب الإيراني لاستقبال هاتين الشخصيتين ، كان ذلك في مايو من
عام 1983 م وحينها بثت وسائل الإعلام الرسمية الكويتية تصريحا للشيخ صباح
الأحمد قال فيه إن زيارتنا لطهران هي فرصة للالتقاء بالمسؤولين
الإيرانيين بعد الثورة مما يعني أنه ورغم كون أزمة بقعة الزيت هي السبب
الرئيسي للزيارة إلا أنها أيضا كانت بالنسبة له فرصة لمد جسور تواصل مع
الجانب الإيراني ...

    إيجابية الموقف الكويتي هذه قوبلت من الجانب الإيراني بعد سبعة أشهر
فقط وتحديدا في 6/12/1983 م بستة تفجيرات استهدفت سفارات ومواقع حساسة في
بلدنا المسالم الكويت ، وتواصلت الأعمال الإرهابية الإيرانية مستهدفة
موكب سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد يرحمه الله والمقاهي الشعبية
وصولا إلى خطف الطائرة الجابرية ومرورا بوابل الصواريخ الإيرانية التي
أطلقت باتجاه منشآتنا النفطية وناقلاتنا مما فتح المجال للأمريكان كي
يقوموا بإذلالنا مستغلين حاجتنا لتأمين مصدر رزقنا الوحيد ( النفط )
حينما وافقنا مرغمين على رفع علمهم على ناقلاتنا النفطية تحت بند ما سُمي
وقتها إعادة تسجيل الناقلات !!!

    كل هذا حصل والكويت لم تقطع علاقاتها مع إيران مراهنة على تبدل
الأوضاع السياسية ، وحينما تبدلت تلك الأوضاع استغلت إيران في مسلك خبيث
تفجر الأزمة الكويتية العراقية قُبيل الغزو وغذت الأحلام الهوجاء الغبية
لدى صدام والتي ورثها عن بلطجية الجيش العراقي بابتلاع الكويت كاملة
وضمها للعراق ، ثم استغلت المأزق الذي ورط فيه صدام أمتنا والعراق عام
1990 م وأخذت منه كل ما تريد على حساب تضحيات العرب والعراقيين !!!

    بعدها توالت الأحداث وفق السياق الذي يعرفه الجميع ، فإزاء هذا
المسلك الشائن للنظام الإيراني علينا أن نقول بأننا لسنا نادمين على
موقفنا تجاهه إبان فترة عدوانه على العراق والعرب لأن هذا الموقف فُرض
علينا ولم نتخذه مختارين ؛ فلم نكن أصلا على ود مع نظام صدام ولا مع ما
شاكله من الأنظمة العربية لكن وكما يقول المثل الشعبي : " إش حادك
يالمسمار قال المطرقة " ، حتى الأرستوقراطيين من أمثال محمد الصقر لم يكن
تغنيهم بالقومية وتعاطفهم مع بعض ما طرحه بلاطجة عساكر العرب من شعاراتها
سوى ترف فكري وشعوري ، ويكفينا فقط أن نعرف أن عدد من الأسر العربية
النجدية الكريمة عاشت أياما جميلة في العراق إبان فترة الاستقرار القصيرة
للحكم الملكي فيه لأن ذلك الحكم كان يناسبها تماما مثلما هو حال إمارات
الخليج اليوم ؛ فلما هبت على العراق رياح الأفكار التي سُميت ثورية هربت
تلك الأسر الكريمة منه باتجاه الجنوب حيث غيرت ثروة البترول ملامح الحياة
هناك ...

    لعل بعض الذكريات الجميلة في العراق الملكي كانت سببا في تمجيد بعض
الصحف الكويتية المملوكة للتجار مثل صحيفة القبس للعراق إبان العدوان
الإيراني عليه تمجيدا مبالغا فيه ؛ ولأن شخصية صدام كانت هي واجهة العراق
فقد نال حظه من ذلك التمجيد ؛ فإن كان الصقر نادما على هذه الجزئية
بالتحديد فربما يكون معه حق ، لكن المؤكد أنه لا محمد الصقر ولا أحمد
الجار الله ولا حتى سعاد الصباح كانوا يهيمون حبا بصدام أو حزب البعث
وإنما قادهم لتمجيده شعورهم بالامتنان له لأنه كان حائط صد طموحات
الخميني التي أوجدت في إمارات الخليج رُعبا حقيقيا ، فنحن لسنا نادمين
على موقفنا من حرب الخليج الأولى يا محمد الصقر وأنت كيفك ...

الاثنين، 20 يونيو 2016

كيف تشارك في الانتخابات وتكون مبدئيا ؟

زوبعة إعلان حدس وأطراف أخرى وقفها لمقاطعة الانتخابات النيابية وعزمها على المشاركة في استحقاق 2017 الانتخابي أوجدت تصادما بين مَن يرون أنفسهم واقعيين متناغمين مع السياسة التي يعتبرونها فن الممكن وَأُلَئِكَ الذين يرون أنفسهم مبدئيين يرفضون تغيير موقف لم ينتفِ مبرر التراجع عنه ، أما أنا شخصيا فإنني لا أجد حرجًا من الاستمرار في موقفي المؤيد للصوت الواحد والذي سبقت مطالبتي بإقراره كنظام مرسوم الضرورة بأربع سنوات . الحمد لله أن بعض مَن لَمَزوني وشنعوا علي عام 2008 م يندفعون اليوم للمشاركة في الانتخابات النيابية القادمة بحماس أكثر حتى من حماسي للمشاركة فيها ؛ بل إن منهم مَن نَحَّىْ جانبا حديثه عن استمرار اعتقال مسلم البراك وعياد الحربي وغيرهما وتفرغ للتركيز على خانته الجديدة التي انتقل إليها وفق حسابات المصالح وليس إملاءات المبادئ ، أما أنا فلأن مطالبتي بتطبيق نظام الصوت الواحد لم تكن يوما ما مرتبطة بالحسابات التي تم على أساسها إصدار مرسوم الضرورة ثم تحصينه رسميا من قِبل القضاء فإنني أقول وبصوتٍ عالٍ : " لا لسحب الجناسي ولا لاستمرار اعتقال البراك وصحبه رغم اختلافي معهم في وجهات النظر " ... أما الذين سيقولون عنا متناقضين حينما نؤيد الصوت الواحد وفي الوقت ذاته نرفض سحب الجناسي ونطالب بإطلاق سراح أسرى الكويت الجدد فلهم أقول : إن مطالبتي بنظام الصوت الواحد عام 2008 م كانت منفردة في وقت توافقت فيه السلطة مع جماعة الأصوات الأربع على ذلك النظام البائس ذي الأربع أصوات والذي عزز روح الانتماءات اَلْإِثْنِيَِّة على حساب الوطن والمواطَنة ومصالح الكويتي ككويتي ؛ ثم إن نظام الأصوات الأربع لم يحمِ مَن احتفى به مِن الضرب والاعتقال ثم التهميش وصولا إلى إبطال مجلس عام 2012 م الأول دون أن تتمكن مخرجات الأصوات الأربع من عمل أي شيء يذكر للحيلولة دون إبطال ما سموه مجلس الأغلبية ذلك لأن حقيقة النظام السياسي في بلادنا تكمن في أنه مبني على حكم الأسرة وليس الأمة سواء أعجبتنا هذه الحقيقة أم لم تعجبنا !!! في ظل معطيات المشهد السياسي الحالي في الكويت أقول بأن نظام الأربع أصوات بدوائره الخمس لم يوقف عجلة الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي التي تسارعت بعد حملة نبيهاْ خمس وهو ما كُنا ولا زلنا وسنبقى نرفضه بغض النظر عن رؤيتنا للنظام الانتخابي الأصلح ، لذلك فإنني أكرر مطالبتي للكويتيين جميعا وخاصة ناخبي وناخبات الدائرتين الرابعة والخامسة بضرورة التخلي نهائيا عن فكرة اَلتَّمَتْرُسِ القبلي وأنادي قبيلتي ( عَدوان ) قبل غيرها من القبائل الكريمة العزيزة الأخرى بضرورة إلقاء مصطلح ( كرسي القبيلة ) في مزبلة التاريخ ، فلنترك لكل مجموعة من الناخبين أن تقف خلف مَن تراه الأصلح وفق ما يقدمه من طروحات ؛ ولتشتمل كل مجموعة من تلك المجموعات على أفراد ينتمون إلى كل مكونات الشعب إذ لا ضير أن أكون شخصيا ضمن مجموعة تدعم مرشحًا بينما يكون عَدواني آخر وفي العلن ضمن كتلة تقف خلف مرشح غيره وهكذا ... على فكرة : من المحتمل أن تكون حلاوة وقف المقاطعة إعادة العمل بنظام الصوتين وهو ما يعني بالضرورة عودة الانتخابات الفرعية مرة أخرى ؛ وهذا معناه أن أبناء القبائل قليلة العدد الذين احتفلوا بنظام الصوت الواحد باعتباره فرصة لتحقيق مكاسب قبلية لا وطنية سيُهَمَّشُوْنَ أكثر مما كانوا قبل مرسوم الضرورة ذلك لأن أبناء القبائل ذات العدد الأكبر ستتعامل معهم وفق منطق " أعرفوا حجمكم " وهو ما كُنا قد حذرنا منه مع أول انتخابات بنظام الصوت الواحد ، أَلَاْ هل بلغت ؟ ؛ اللهم فاشهد ...

الخميس، 4 فبراير 2016

بُعْبُع الخادمة المغربية وعورة البيت الكويتي !

       قبل يومين تداولت الخدمات الإخبارية ومستخدمو شبكات التواصل
الاجتماعي خبرا مفاده أن وزارة الداخلية الكويتية سمحت باستقدام خادمات
من المغرب ليعملن في البيوت الكويتية ، وما إن شاع هذا الخبر حتى ضجت
شبكات التواصل الاجتماعي بتعليقات النساء الغاضبات من ذلك الخبر وأشباه
الرجال الذين استبشروا بمقدم المغربية كخادمة في بيوتهم باعتبارها ستصبح
فريسة سهلة وضعيفة للكفيل الخائب !!!

       ارتعاد المرأة الكويتية من إشاعة مقدم الخادمة المغربية وضع ألف
علامة استفهام على ثقتها بعلاقتها الزوجية ، فقد جعلت الكويتية من
المغربية بُعْبُعًا مرعبا رغم أن استعداد زوجها للانحراف إن توافر فإنه
لا يحتاج إلى وجود المغربية كي تتم ترجمته إلى واقع عملي مثلما يحدث
اليوم في بعض البيوت مع خادمات من جنسيات أخرى ، فالكويتية التي هزها خبر
احتمالية مقدم الخادمة المغربية ضيفة ثقيلة في بيتها أقرت من حيث لا تشعر
بأنها زوجة غير صالحة وربة بيت فاشلة !!!

       أما الرجل الكويتي الذي استبشر بمقدم الخادمة المغربية فإنه قد
كشف عن أحط مواضع الخسة في نفسه الخبيثة التي صورت لخياله المريض بأن
كلمة ( مغربية ) تعني عاهرة !!!

       حقيقة الأمر هي أن المجتمع المغربي مجتمع عربي مسلم معتز بقيمه
وأصالته ، ووجود عناصر منحرفة فيه يمثل حالة لا يخلو منها أي مجتمع ، وإن
اضطرت بعض المغربيات للعمل خادمات في هذا البلد أو ذاك تحت ضغط العوز
والحاجة فذلك لا يعني أنها قابلة للاستغلال الجنسي كما ظن صِيَّعُ الكويت
من الأزواج الفاشلين والخائبات من نساء الكويت واللاتي لم يعد يعني لهن
البيت والزوج سوى ( برستيج ) اجتماعي !!!

       نذكر فقط بأن العمل الحلال ليس عيبا ؛ فقد كانت نساء الكويت يوما
ما يعملن في حياكة أغطية الرأس الرجالية ( الطواقي ) أثناء غياب ذويهن في
الرحلات الطويلة وَكُنَّ يركبن القوارب الخشبية في رحلات صعبة ليبعن
الطواقي في مدينة الزبير العراقية ، لكن أيًا من نساء الزبير وقتها لم
تخف على زوجها من بائعات الطواقي الكويتيات لسبب بسيط هو أن المرأة
الزبيرية آنذاك كانت زوجة ناجحة استطاعت المحافظة على البيت والزوج !!!

       تبقى كلمة للإعلام الذي ضخم الخبر مما استدعى العلاقات العامة
بوزارة الداخلية لأن تتصدى له وتنفيه ، ليتكم أيها القائمون على وسائل
الإعلام تطلقون حملة ترشيد وتقشف لأعداد الخدم في البيوت ؛ وليتكم تخصصون
بالتعاون مع المؤسسات المانحة جوائز مالية للزوجة المثالية والأم
المثالية التي لا توجد في بيتها خادمة مقيمة بدل التحذير من مقدم الخادمة
المغربية .

       شكرا للخادمة المغربية التي كشفت عورة البيت الكويتي وأمراضه
بمجرد أن أصبحت حُلما استبشر به الزوج الكويتي وبُعْبُعًا ارتعدت منه
الزوجة الكويتية رعبا !!!

الأحد، 17 يناير 2016

غياب نواب الشيعة بين الظاهر والباطن

       تداعيات قضية خلية العبدلي منذ القبض على المتهمين وحتى صدور الأحكام كشفت الجزء المتبقي من دعاوى الوحدة الوطنية التي حاول الإعلام المحلي في الكويت الترويج لها بينما  الممارسات على الأرض تسير عكس ما هو معلن ، وقد أثبتت تداعيات تلك القضية وما ثار من جدل وما تم تسجيله من مواقف على إثرها صحة ما قلناه بعد التفجير الإرهابي في مسجد الإمام الصادق من أن المواقف العاطفية المعزولة وإن صدقت نيات أصحابها لا يمكنها أن تبني لحمة وطن ولا يمكنها المحافظة على نسيج مجتمع .


       غياب النواب الشيعة عن جلسة البرلمان الكويتي يوم الأربعاء الماضي وبعد يوم من صدور الأحكام في قضية خلية العبدلي كان فضيحة يصعب معالجة آثارها ، فذلك الموقف قُدِّمَ للناس على أنه احتجاج على أحكام قضاء لطالما دافع عنه النواب المتغيبون حين صدرت أحكامه ضد خصومهم السياسيين ولطالما شكك في نزاهته بالأمس مَن يصفق له اليوم وهو ما يعني أن السياسيين الكويتيين وجمهرتهم قد انقسموا إلى فريقين كل منهما يريد تجيير المؤسسة القضائية وأحكامها لصالحه ، والسبب هو سياسة السلطة الحاكمة التي اعتمدت على تبديل التحالفات حسب الظروف السياسية ولم يكن بناء مؤسسات الدولة ومجتمعها على أساس المصلحة الوطنية ضمن حساباتها التي لا تراعي فقط إلا مصالح الشيوخ والتجار الذين أدى تفجر صراعاتهم إلى تشظي المجتمع وفق الاصطفافات الفئوية والطائفية والقبلية !!!


       حقيقة الأمر أن غياب النواب الشيعة لم يكن احتجاجا على الأحكام كما أُريدَ للصورة أن تبدو إعلاميا ؛ لكن سبب غيابهم هو أن البرلمان أدرج ضمن جدول أعماله مناقشة الشؤون الإقليمية وهو إجراء رسمي اعتيادي إلا أنه في هذه الظروف فقد صفته البروتوكولية الرسمية بسبب تصاعد الأزمة بين السعودية وإيران ، وقد اعتاد مجلس الأمة الكويتي على اتخاذ موقف جماعي حين تكون السعودية طرفا في أي قضية نقاش أو اتفاقية سياسية مثلما حدث في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والسعودية عام 2001 التي وافق عليها النواب جميعا في جلسة احتفال لا نقاش ، في الظروف السياسية التي تشهدها المنطقة لا يمكن للنواب الشيعة في البرلمان الكويتي الموافقة على بيان ينص على مساندة المملكة العربية السعودية في ما تتخذه من إجراءات حفاظا على أمنها لأن موافقتهم على مثل هكذا بيان سينسف صورتهم أمام قواعدهم الانتخابية المتعاطفة مع إيران ، فلو أن هؤلاء النواب حضروا لاضطروا إلى تمثيل مشاهد استعراضية تشمل هجوما حادا على السعودية والتي اختلف مزاجها السياسي بحيث لا يتحمل صدور مثل ذلك الهجوم في قاعة البرلمان الكويتي ، ولأن الحكومة الكويتية تعلم ذلك فقد تفاهمت مع النواب على حل وسط يتمثل في غيابهم عن الجلسة بحيث لا يكونون مضطرين لتسجيل أي موقف وإلصاق هذا الغياب بالأحكام مهما كان الجدل الذي سينتج عن موقفهم فهو جدل تراهن حكومة الكويت على أن الساحة السياسية المحلية قد اعتادت عليه !!!


       الأحكام ستستأنف وبإمكان النواب الشيعة الحديث عن تأثير الإعلام على القضاء والإعراب عن الأمل في صدور أحكام مغايرة من محكمة الاستئناف بدل التغيب وإشاعة احتمالية الاستقالة الجماعية والتي لن تحدث ، لكن الحكومة الكويتية تشعر بأنها في ورطة حقيقية بين المطرقة الإيرانية والسندان السعودي وتحاول الهروب من مواجهة الكارثة المتمثلة في أن الكويت ستكون الساحة القادمة للعبة شد الحبل بين إيران والسعودية بلباس طائفي مقيت !!!