الاثنين، 15 يناير 2018

كربلاء جابر والتخبيص الكويتي

        الشيخ جابر الأحمد يرحمه الله نال حب شعبه وهو أهل لذلك وأكثر ، رغم أن أيامه لم تكن الأكثر تألقا في التاريخ الذي يتغنى به أهل الكويت إلا أن شخصيته الهادئة وسلوكه المستقيم إضافة إلى ما جرى له ولبلده إبان حكمه جعله يحظى بلقب أمير القلوب .

        كان رحمه الله ضد فكرة المبالغة في تمجيد الأموات والغلو في ذكرهم ، فعلى المستوى السياسي لم نسمع أيام حكمه عن إحياء لذكرى وفاة الشيخ صباح السالم يرحمه الله أو الشيخ عبد الله السالم يرحمه الله رغم محبة الكويتيين للراحلين الكبيرين ، وعلى المستوى الشرعي أُزيلت في عهد الشيخ جابر يرحمه الله قبة قبر في جزيرة فيلكا يظن بعض الجهلة أنه قبر الخضر عليه السلام فيذهبون لذلك القبر بالنذور ويذبحون عند قبته الذبائح .

        إذًا فالشيخ جابر رحمة الله عليه كان يرفض من حيث المبدأ فكرة تمجيد الأموات في ذكرى وفاتهم وما يمارسه العديد من الكويتيين في ١٥/١ من كل عام هو على النقيض من فكر جابر الأحمد ، فلماذا يحيي الكويتيون ذكرى وفاة أمير القلوب بهذه الطريقة ؟

        في عام ٢٠٠٤ انتشرت في الكويت موجة من النفاق كإحدى مظاهر الاختلال القيمي في المجتمع الكويتي الذي تصاعد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي واتسعت على إثره رقعة الارتزاق فبات الصغار يبحثون عن المال وبات الكبار يلهثون خلف المطبل كي يستخدموه إما في تلميع ذواتهم أو ضرب خصومهم ، في هذه الأثناء توفي الشيخ جابر يرحمه الله فاصطنع البعض مشاعر حزن غير حقيقية تزلفا لأطراف ما أو رغبة في إبراز الذات أو حركات دعائية لإثبات ولاء كاذب للكويت !

        حين وفاة أمير القلوب يرحمه الله كان الطلبة يخوضون اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول ، وفي أول وثاني يوم دوام رسمي بعد عطلة الحداد قامت بعض المدارس ومنها المدرسة التي كنتُ أعمل فيها بأخذ الطلبة المنهكين في رحلة لزيارة قبر الشيخ جابر الأحمد ، فانتبه أبناؤه وبناته يرحمه الله والذين حملوا نفس أفكاره الرافضة لتلك الممارسات ليوقفوا هذه المهزلة كما منعوا وضع أي شاهد على قبر والدهم الكريم كي لا يصبح مزارا .

        مع ذلك استمرت وما تزال هستيريا الاحتفاء بذكرى الشيخ جابر الأحمد ، فباسم محبة أمير القلوب تمت إزالة اسم صلاح الدين الأيوبي من مدرسة ثانوية شهيرة في منطقة الجابرية ليوضع عليها اسم جابر الأحمد لأن أطراف ما تكره صلاح الدين وجدَتْ في ركوب موجة ادعاء حب الشيخ جابر فرصة للتخلص من اسم صلاح الدين ، وخضع الكويتيون المخدرون لما تم ولم يكن بإمكان أي منهم الاعتراض لأن لغة التخوين والتشكيك في الولاءات بدأت تستخدم كسلاح لضرب الخصوم وتبنت ذلك السلاح أطراف نافذة !

        إضافة إلى ما ذكرناه فإن شيوع ثقافة الاستنفاع وانتشار الرشاوى بأشكالها المختلفة وتصاعد سطوة الفاسدين والفاسدات في البلاد شل حركة التنمية فيها فبات الكثير من الكويتيين يدارون شعور الإحباط لديهم من خلال تحويل ذكرى وفاة الشيخ جابر إلى كربلاء يلطمون فيها حسرة على ماضٍ جميل أضاعوه بأيديهم !

        أخيرا نقول : إن أحياء الكويتيين لذكرى وفاة أمير القلوب بهذه الطريقة هي حالة تخبيص كويتي محلية الصنع وهو سلوك لا يحبه الشيخ جابر يرحمه الله ولا ورثته ، فلنتحرر من عقدة اللطم على الماضي ولنحرر حاضرنا بتصحيح مسار بلدنا ومجتمعنا كل من موقعه لنهب أطفالنا إرثا يفخرون به وبمن خلفه ، ولنتذكر المقولة الخالدة لأمير القلوب يرحمه الله : " إن الكويت هي الوجود الثابت ونحن جميعا زائلون " .