الخميس، 30 يناير 2020

ما جرى لغدير إقالة وقراراتها سارية المفعول !

        حينما احتلت القوات العراقية الغازية بلادنا خلال ساعات في مشهد دراماتيكي أجاد الأمريكان التحكم به وكأنهم يقدمون عرض PowerPointصعقت الصدمة أهل الكويت ، لكن بعد قرابة الشهر من تلك الجريمة النكراء  بحق أمة كاملة لا الكويت وأهلها فحسب أيقن الكويتيون أن بوصلة المصالح لا الأخلاق الأمريكية اقتضت طرد الغزاة من بلادهم ، فأخذوا رغم آلام الاحتلال القاسية يحلمون بصياغة وضع كويت ما بعد التحرير على أساس تصحيح كل الأخطاء والخطايا ما قبل الغزو ، وجاء ما قيل وقتها أنه مؤتمر شعبي في مدينة جدة ليعطي أحلام الكويتيين زخما أكبر حيث تابعناه ونحن صامدون على تراب أرضنا المحتلة وكأننا مشاركين به ، حتى إساءة مَن أصبح بعد 20 سنة من تلك الأحداث ( سمو رئيس الوزراء ) ووصفه للصامدين من أهل الكويت بأنهم خونة لم نهتم بها آنذاك وإنما كانت كل آمالنا بعد الله معلقة بمرحلة ما بعد التحرير التي ظننا أننا نحن الذين سنصنعها بأيدينا !

 

        خرج الغزاة العراقيون من بلادنا ثم طَبَّلْنا لإعادة الإعمار وأصبحنا نهز الوَسْط للمطرب وهو يغني : " مَن مثلهم مَن مثلهم " ، وصرنا على غير العادة نفخر بالشباب الذي ينظف مواقع عمله في الوزارات والمؤسسات ويصبغ جدران المدارس والكليات ، وحتى الناشئة قمنا بتحفيزهم عبر سنة دراسية غير مسبوقة في تاريخ الكويت أسميناها ( سنة الدمج ) حيث اجتاز فيها الطلاب مرحلتين في سنة واحدة كي نقول للغزاة بأنكم لم تعطلو حتى المسار الدراسي لطلابنا عندما حَرَمْتموهم من مدارسهم أثناء الاحتلال .

 

        بعد إقرار قانون ما سُمِّيَت المديونيات الصعبة عام 1993 فُوْجِئْنا بأن حلمنا إنما كان سرابا ؛ وعندما أُجري التعديل الوزاري على هوى غرفة التجارة عام 1994 تعزز الشعور بالإحباط وتراجع الزخم الوطني الذي تعاقبت بعدها النكسات على تدميره عبر مهزلة التنافس اللا شريف بين جاسم الخرافي وأحمد السعدون ثم محاولة اغتيال عبد الله النيباري وصولا إلى المسرحية الكبرى باستجواب عباس الخضاري لأحمد الكليب والتي أخرجها مبدع يبدو أنه يهوى مشاهدة أفلام الآكْشن !

 

        كل هذا وأكثر تم فقط لأن الدستور الضعيف أصلا فُرِض على الشيوخ مرتين : الأولى بعد الاستقلال والثانية بعد التحرير ، وبلغَت الفوضى مداها حينما حدثت واقعة قتل عمد لطفل غير شرعي يبدو أن أحدهم أنجبه من غانِية مستوردة لم تأخذ حذرها أو أنها وثقت أكثر من اللازم بقدرتها على ابتزاز جليس الأنس ، هذه القضية تم سحب ملفها من النيابة عام 2001 لأول مرة في تاريخ الكويت !

 

        وكان زلزال عام 2006 إيذانا بمرحلة من التخبيص في العملية السياسية على الساحة المحلية التي شهِدَت ولا تزال حالة عدم استقرار في تشكيل الحكومة واختيارات عشوائية للوزراء والوزيرات اللاتي لن تكون غدير أسيري آخِرَهُن ، ولم يكن مَن يسمون نواب الشعب ولا ناخبيهم بمبعدة عن هذا الفساد الخطير وإنما صاروا يقتاتون على موائده كُلٌّ حسب قدراته ووفق مصالحه !

 

        ما جرى اليوم في حقيقته هو إقالة وليس استقالة ، فغدير أسيري كانت مُصِرَّة على المواجهة ومَن وَزَّرَها كان مستعدا للدفاع عنها كما دافع عن غيرها إلا أن صبيانيتها ونزقها أحرج الجميع فأجبر عددا من النواب على إعلان طرح الثقة بها يكفي لإسقاطها في الأسبوع القادم وفي نفس الوقت لم يترك لرئيس الحكومة مجالا كي يدافع عنها ، فوجد طُهاة المطبخ السياسي في الكويت أن الإيعاز لغدير أسيري بالاستقالة هو الأسلم فقامت بصياغة كتاب استقالة جمع بين احترام السلطة التنفيذية ورأسها من ناحية وتهزيء السلطة التشريعية ممثلة في أكثرية توافقت على طرح الثقة بها من ناحية أخرى ، فأتى ذلك كلقطة ختامية لمشهد بصبغة طائفية يمثل بداية لا نهاية لفصل ساخن ربما يزداد سخونة إذا رشَّحت غدير أسيري نفسها للانتخابات القادمة وأوصلتها قاعدة انتخابية على أساس طائفي نكاية بهايف والدمخي اللَّذَين كانا يستعرضان طائفيا أيضا أمام قاعدة انتخابية ساذجة !

 

        لو أن صبيانية أم جبريل لم تدفعها للتسلط على الدكتورة شفيقة العوضي كردة فعل على افتضاح استغلالها لمميزات المكلف برعاية المعاق لكان من الممكن أن تتجاوز غدير أسيري طرح الثقة بها الذي كان مقررا يوم الثلاثاء القادم ، ومع ذلك على رئيس الحكومة أن يعي أن القرارات الصادرة عن وزيرة الشؤون المستقيلة لا تزال سارية المفعول لأنها قرارات تم اتخاذها من الوزيرة بصفتها الاعتبارية لا الشخصية ، والصحيح هو عدم إلغاء هذه القرارات إلا بحكم قضائي في قضية يرفعها المتضرر ، أما إلغاء القرارات بجرة قلم كما تم اتخاذها بجرة قلم فإنه يعزز الفوضى ، فهل تحمل الحكومة حقا هَمَّ وقف الفساد والفوضى ؟

الأربعاء، 15 يناير 2020

الشيخ تميم بين خطأ الحسابات ومستقبل المسؤوليات

        قبل يومين وفي خضم تداعيات هلاك المجرم سليماني وإسقاط حرس الملالي للطائرة الأوكرانية وانكشاف أكاذيب النظام الإيراني بدأت مرحلة جديدة في انتفاضة الشعوب الإيرانية ضد جلاديها وهي معززة هذه المرة بسقوط هيبة ما يسمى الحرس الثوري وجهازه البوليسي ( الباسيج ) والذي صار أفراد شرطة الشاه ( السافاك ) ملائكة قياسا بهم ! ، في خضم كل ذلك تفاجأنا بزيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر إلى طهران وحديثه عن موقف إيران التي فتحت له مجالها الجوي وممرها البحري في ظل حصار جيرانه العرب له !

 

        الشيخ تميم كان يتكلم بلغة الشاكر لموقف الملالي وحوله مجاميع شباب طهران تهتف ضدهم في وقت اعترف الشيخ تميم نفسه بأنه وقت حساس ، واليوم تكتمل المفاجأة بزيارة وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بغداد ليجتمع مع أذناب المحتل الفارسي الذين ستطردهم هِمَّة رجال العراق الأشاوس وصبر نسائه الماجدات من أرض الرافدين قريبا جدا بإذن الله ، فما هدف الساسة القَطَريين من تحركاتهم وعلى ما يعولون ومما يخشون ؟؟؟

 

        لن أستخدم في خطابي لغة خصوم قطر الذين عزلوها ليعطو ساستها مبرر الارتماء في أحضان الفرس والأتراك ؛ فلست مؤيدا لما جرى في 5/6/2017 ويثير غثياني واشمئزازي الخطاب البذيء لأبواق خصوم قطر ، كما أن موقف خصوم الشيخ تميم ليس أقل ارتباكا منه ولا تضييعا للبوصلة فكلهم طالب بالتهدئة بعد هلاك سليماني بل ربما يكون بعضهم قد نقل تعازيه لملالي طهران عبر بشار الأسد ! ، لكن أقول للشيخ تميم بأن العدو الفارسي لا مِنَّة له على قطر وأهلها فهو لم يفتح مجاله الجوي وممراته البحرية مجانا ؛ ومن ناحية ثانية فإن استثمار خيبة العرب التي أدت إلى الأزمة الخليجية ليس توجه نظام وإنما هي استراتيجية ثابتة في عالم السياسة وحسابات الاقتصاد ؛ فلو كان مَن يحكم طهران هو الشيخ عبد الله بن زايد شقيق الشيخ محمد بن زايد لاتخذ إزاء الأزمة الخليجية نفس موقف الملالي لأن معطياتها بالنسبة لإيران كدولة لا كنظام فرصة لا يمكن تَفْوِيْتُها ، لذلك فنقول لك يا شيخ تميم إن مَن أشار عليك بزيارة طهران في هذا الوقت الحساس لم ينصفك وأنه قد آن الأوان لتكون أنت مَن يخلص قطر من آثار تخبيصات حمد بن جاسم والتي إن استمرت تغلف السياسة القطرية فعلى نظام حكم آل ثاني السلام !

 

        أما زيارة وزير الخارجية القطري لبغداد في ظل انتفاضة شعب العراق العظيم فهذه خطوة خائبة سيكون لها ثمن باهض لأنها تمثل صدى زيارة الأمير تميم لطهران وبدت أي زيارة وزير الخارجية وكأنها دعم قطري لاستمرار واستقرار وضع سياسي في بغداد يعتبره ثوار ساحة التحرير احتلالا لا بد من زواله ، لذلك فعلى وزير خارجية قطر ومَن أرسله إلى بغداد في هذا الوقت أن يعلم بأن ساحة التحرير في بغداد تختلف اختلافا كليا عن ميدان التحرير في القاهرة وأنها ليست السنوات وإنما الأسابيع والأشهر القادمة ستكشف للساسة في بلد الغاز مدى قصور نظرتهم لبلاد الرافدين التي علم إنسانها العالم كيف يخط الحرف وسيعلمه قريبا دروسا ليست في الحسبان .