عندما نهانا ربنا عن الزنى لم يقل لا تزْنو كما ورد النهي عن أمور أخرى مثل قوله تعالى : " ولا تأكلو أموالكم بينكم بالباطل " وإنما نهانا عن مقاربة الزنى بقوله تعالى : " ولا تقربو الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " ، ولأن الله سبحانه هو خالق البشر كما هو خالق كل شيء فقد سبق في علمه عز وجَل أن هذا النهي لن يكون واقعيا ما لم تعززه نواهٍ وأوامر أخرى سواء في الكتاب الكريم أو السنة الشريفة ، فقد أمر سبحانه وتعالى بالحجاب في قرآنه ورغَّب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في تيسير الزواج عبر عدة أحاديث صِحاح ، كما أمر ربنا سبحانه في قرآنه المؤمنين والمؤمنات بغض البصر في نص قرآني صريح .
ما نلاحظه اليوم في مجتمعنا الذي استشرى فيه النفاق لا كواحد من الأمراض السارية فحسب وإنما كحالة تناقض مع النفس حتى في طباع وشعور ولا شعور الشخص الواحد ذاته أن الأغلبية لا تغض البصر ولا تمتثل لما ورد من أمْرٍ بغضِّه في كتاب الله تعالى ؛ لكن ذلك يتم بطريقة غريبة خاصة لدى أشباه الرجال ، فقد بات في مجتمعنا من وسائل تزكية النفس التي نهى عنها الله تعالى أيضا بقوله : " ولا تُزَكُّوْ أنفسكم " ؛ بات انتقاد مظاهر التعري في الأماكن العامة وعبر وسائل الإعلام بشقيه التقليدي والجديد نهْجا لإبراز الذات على أنها طاهرة نقية كونها ترفض ما يمس العفة والشرف !
ما يثير الاستغراب في هذا النهج هو أن مَن ينتقد امرأة متعرية في مكان عام يفصِّل تقاسيْم جسدها صدْرًا وأردافًا كما يصف بدِقَّة ذلك الحزام المُلتف حول خصرها والذي يكاد أن يَقسِم جسمها إلى جزأين قابلَيْن للفك والتركيب ، ناهيكم عن وصف مِكْياج ست الحُسن بدقة تتعدى دقة المُحَكِمين في مسابقات ملكات الجمال والباقي عليكم !
هذه الدقة في الوصف تؤكد بما لا يدَع مجالا للشك أن غَضَّ البصر المأمور به في كتاب الله لم يحصل وهذه معصية كبيرة ؛ لكنها حين ترتبط بانتقاد المَنْظَر الموصوف باعتباره فسادا وأَن نختم حَفْلةَ الردح هذه بالدعاء لبَناتِنا بالسِّتر فهذا يمثل شكلا قَبيحا من أشكال النفاق الذي سيقبع أهله في الدرك الأسفَل من النار ، وإذا اِلْتمسنا العُذْر لمَن وصف امرأة متعرية في مكان عام على أساس أنها زميلة عمل أجبرته وظيفته على التواصل الدائم معها أو أنها مُراجِعَةٌ هو مُلزَم بخدمتها فما هو عذر مَن مر بمشهد رقْص وتعَرٍّ في قناة فضائية وهو يقلِّب الريمونْت كونترول أو مر على مقطع شبيه في هاتفه ولم يوقف التشغيل ؟
إنها لَمُتلازمة عجيبة حقًا حين يرتبط اصطناع العفة والطهارة بمعصية كبيرة مثل عدم غض البصر ، تُرى ما الفرْق بيننا وبين الفاسد المرتشي الذي يتمسح بالنَزاهَة ومحاربة الفساد ونحن نقع يوميا في هذا التناقض ؟ ، أَلَمْ يتحول عدم غض البصر في هذه الحالة مِن مجرد معصية كبيرة مُهْلِكة إلى حالة نفاق يَحْجِز صاحبها تذكرة ذهاب قد تكون بلا عودة إلى الدرك الأسفل من جهنم ؟