شخصيا لا أحب الحديث عن مجتمع بلدي الصغير بلغة التقسيمات ( بدو * حضر * شيعة * سنة ) ، فرغم أن اختلاف الجذور العرقية والمعتقدات الدينية أمر طبيعي في كل بلدان العالم إلا أنه في الكويت حينما يُثار فإنه يأخذ له بُعدا سياسيا نظرا لسقوط الطرح الوطني الذي قدَّمَتْه السلطة للناس في إعلامها وخطابها المفرغ من محتواه وصولا إلى الأغاني الوطنية التي تنحدر كلاما ولحنا عاما بعد عام ، ناهيكم عن أن مَن يرفع شعارات التغني بحب الوطن هو أكثر مَن نهب خيراته وتآمر على وحدة شعبه ومارس كل أشكال الفساد وقوى لوبياته وأذياله على حساب مصلحة الوطن !
زيادة على ما ذكرناه فإن قصة التقسيم إلى بدو وحضر وفق مفهومها العلمي غير موجودة في دولة الكويت لأن كل أهلها مستقرون أي أنهم يشكلون وحدة سكانية لمناطق حضرية ولا يوجد بدو يقطنون الصحراء ، فالبداوة والحضارة إنما هي أنماط حياة ولا علاقة لها لا باللهجات ولا بالانتماءات العرقية ، وقد أوضحنا ذلك للناس مرارا وتكرارا لكنهم يريدون التمسك بصورة غير المستوعب لهذا الكلام رغم يقينه بصحته لأنه يظن أن إشاعة الفهم الصحيح بين الناس خطر على مصالحه ، وهذا بالضبط ما تريده السلطة ومَن تحميهم من أركان الفساد !
مع ذلك أجد نفسي اليوم مضطرا للحديث عن فوارق ثقافية في السلوك والممارسات بين سكان المناطق التي يغلب عليها الناطقون بالجيم والمناطق التي يشكل الناطقون بالياء غالبية سكانها .
كل الكويتيين إما أنهم سافروا حول العالم ووقفوا على تجاربه أو أنهم عبر القرية الكونية الواحدة من خلال ثورة الاتصالات أصبحوا كغيرهم على علم بما يحيط بهم وما هو بعيد عنهم من خبرات سلبية كانت أَم إيجابية ، وهذا كفيل بأن يجعل من بلدهم الصغير الثري سنغافورا الخليج من حيث إدارة أجهزة الدولة والوعي السلوكي للمواطن الحريص على بلده أمنا ونظافة والتزاما بالقانون ، لكن ذلك لم يحصل مع الأسف في كل مناطق البلد الصغير الثري ، إنما توجد فوارق سلوكية ظاهرة بين مناطق ( الحضر ) ومناطق ( البدو ) مع التحفظ على هذا التقسيم من الناحية العلمية .
في مناطق الحضر نجد أن المساجد بكافة مرافقها أنظف من مثيلاتها في مناطق البدو كما نلحظ أن مستوى صيانة المدارس واختيار كادرها التعليمي في مناطق الحضر أفضل منه في مناطق البدو إلا في استثناءات نادرة ، وفي مناطق البدو نجد مخالفات البناء ظاهرة إلى حد الفضيحة لأن السلطة على أعلى مستوى تعلم بها وتسكت عنها وتسمح للاعتبارات القبلية بتعزيزها بينما لا نلحظ ذلك في مناطق الحضر ، أما الجمعيات التعاونية فالفارق فيها يدل على عملية استمراء الجهل والجاهلية في مناطق البدو ؛ فالجمعية التعاونية ما هي إلا مرفق خدمي لأهل المنطقة السكنية أُتيح لهم انتخاب المسؤولين عنه ومستوى أداء هذا المرفق يخص كل ساكن في المنطقة ؛ لكننا نجد أن انتخاب أعضاء الجمعيات التعاونية في مناطق البدو يتم وفق تحالفات قبلية بحيث أن العضو الذي أوصله أبناء عمومته إلى مجلس إدارة الجمعية لا يخشى من دفع ثمن التقصير لأن القبيلة التي أوصلته ستتغاضى عن خطاياه ، أما في مناطق الحضر فإن أعضاء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية غير مسنودين بظَهر قبلي لذا فإن أداء جمعيات مناطق الحضر خدميا أفضل من أداء جمعيات مناطق البدو رغم أنها لا تخلو من التجاوزات المالية !
حينما يتجول أي منا في مناطق مثل الجهراء وصباح الناصر وإشبيلية رغم كونها منطقة حديثة والفحيحيل والصباحية وغيرها من مناطق البدو نجد أن العمارات الاستثمارية قد تم تشييدها وسط المناطق السكنية فضلا عن شبرات الكيربي التي تم وضعها خارج الأراضي المخصصة للسكان بطريقة شوهت المنظر العام وتسببت في الضغط على الخدمات ونشرت الرعب بين العوائل بسبب وجود العزاب ، وثقافة ابن العم تحمي المخالفين وترتب العيب على المشتكين ، بينما لا نجد ذلك في مناطق الحضر فلماذا هذه الفوارق وإلى متى ؟ ، هل البدوي أقل غيرة على وطنه من الحضري ؟ ، هل البدوي لا تهمه محارمه ولا يبالي بإسكان المشبوهين بين بيوت أهل منطقته ؟ ، لماذا حين يسكن البدوي مناطق كالعديلية أو الخالدية يحترم نفسه بينما قد يشتري أرضا في إشبيلية أو عبد الله المبارك ليبني فوقها عمارة استثمارية ويضايق سكان المنطقة بطريقة لا يقبلها هو في المنطقة الحضرية التي سكنها ؟
أسئلة كثيرة حائرة تفرض نفسها ومع ذلك لا نجد حاجة للبحث عن إجابات لها ، فالكويت بلد صغير ثري والكويتيون في مستوى واحد من التعليم سواء من أكمل منهم دراسته الجامعية وما بعدها أو مَن اكتفى بشهادات أقل ؛ فهم جميعا على علم بطبيعة هذه الفوارق وخطورة تلك التجاوزات وآثار انعدام الوعي بل وحتى الغَيرة على الأرض والعرض ، وعليه فإن المسؤولية الكبرى الآن تقع علينا نحن الذين نسمي أنفسنا أغلبية صامتة ، فالصمت لم يعد مقبولا من الآن فصاعدا والتعويل على السلطة لحل المشكلة عبر إجراءات قانونية ما عاد يجدي نفعا ومحاولة إقناع المستفيدين من الوضع الخاطئ في البلاد كي يعودو عن غيهم باتت غير قابلة للتكرار ، فلنستغل وسائل التقنية الحديثة ولنصور المخالفات وننشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونذكر بالاسم موقع المخالفة وصاحبها أو الجمعية التعاونية المقصرة وأعضاء مجلس إدارتها وهلم جر ، وعلينا أن نتحمل ما سيأتينا من هجوم واتهامات بالتشهير وقلة الحياء بل وافتعال قضايا ضدنا ؛ فطريق الإصلاح وعر ويحتاج تضحيات إما أن نكون مستعدين لتقديمها وإما أن نتوقف عن الشكوى في الدنيا لنكون شركاء في الإثم مع الفاسدين في الآخرة .