الأحد، 13 أكتوبر 2019

لله در الجماهير الكويتية ولله درك يا عمر الرزاز

        أثارت قصة هُتاف شرذمة مراهقة من الجماهير التي حضرت مباراة منتخبَي الأردن والكويت باسم الرئيس الراحل صدام حسين زوبعة كبيرة وصلت إلى حد تناول موضوعها على أعلى مستوى في البلدَين الشقيقَين !

        شخصيا لا أخفي سعادتي بالحدث وما تمخض عنه من نتائج ، فهذه الهتافات إنما صدرت عن حفنة لا تمثل إلا ذاتها وبذلك تأكدت عملية فرز إيجابية في المجتمع الأردني وتصحيح للمفاهيم ، فهذه ليست الحادثة الأولى المرتبطة بشخص الرئيس الراحل صدام حسين وإنما سبق أن نَظَّم النائب السابق ليث شبيلات مهرجانا خطابيا في ذكرى مقتل صدام قبل حوالي سنة فَفُوجِئ شبيلات بهُتافات تنادي باسم الملك عبد الله الثاني وتم ضرب شبيلات وتخريب المهرجان ولم تكن للكويت والكويتيين علاقة بهذا الحدث ، لكن ما حصل في المباراة كان فرصة للمجتمع الأردني كي يؤكد حالة تصحيح المفاهيم وفرز السفهاء عن سواد المجتمع حتى لا يشوهوا صورته في عيون الآخَرين .

        أما قصة استفزاز الكويتيِّين عبر الهُتاف باسم صدام في المحافل العامة فقد أسقطها الرئيس الشرعي غير المعترف به دوليا لجمهورية العراق فخامة السيد عزة إبراهيم الدوري والذي توجه بالكلام مباشرة إلى سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد حفظه الله في خطاب ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان إبريل الماضي حيث قال فخامته نصا بأن الغزو كان خطأً استراتيجيا وأخلاقيا واعتذر للكويت قيادة وشعبا ، والدوري هو خليفة صدام ونائبه طوال فترة حكمِه وعليه فإن الممثل الشرعي للقيادة العراقية التي اتخذت قرار غزو الكويت تبرأ من الحدث ؛ فكيف يمكن استفزاز الكويتيِّين بمثل هكذا هُتافات ما كان صدام نفسه ليقبلها لو أنه حي يُرزَق في ظل الظرف السياسي الحالي ؟

        على كل حال : مَن هَتف في الماضي أو يهتف اليوم باسم الرئيس الراحل صدام حسين ضمن سياق إغاظة الكويتيِّين هو في الحقيقة لا يحب صدام ، فحينما كان رحِمَه الله يمثل رمز العراق في معركة شرف وكرامة دفاعا عن أمة العرب كان كثير من أهل الكويت يعلقون صورته في دواوينهم وَصالات منازلهم بينما الجَمْهَرة التي هَتَفت باسم صدام عندما انقلب على المبادئ والقيم النبيلة للقادسية الثانية عبر غزو الكويت كانت تَشتُمُه وتتمنى الهزيمة لجيشه أمام العدو الفارسي لا لِشيء إلا لأنهم كانوا يرون حربه مع الفُرس دفاعا عن عروش شيوخ الخليج لا دفاعا عن حياض أمة العرب ، كذلك فإن مَن أيدوا الغزو العراقي للكويت هم أنفسُهُم مَن تاجر بمعاناة شعب العراق من الحصار الجائر الذي استهدَفَه على خلفية الغزو الذي لم يتضرر متخذ قراره من الحصار ؛ فقد اشترى هؤلاء المؤيدين لصدام حسب دعواهم مئات الملايين من الدنانير العراقية وقت انهيار العملة على أمل ارتفاع سعرها عند رفع الحصار ، فلما اتخذ الرئيس الراحل صدام حسين يرحمه الله قراره التاريخي والشجاع في إبريل عام 1993 بإلغاء العملة العراقية من فئة 25 دينارا ردا على المتاجرة الرخيصة بمعاناة العراقيين انهارت آمال تُجار الأزمات وأصبحَت أوراقهم النقدية بلا قيمة فانتحر منهم مَن انتحر وسقط منهم بالسكْتة القلبية ميتا مَن سقط إضافة لمَن أصيبوا بانهيارات عصبية بينما مَن تماسَك منهم اتجه إلى مقر سفارة العراق في عمَّاْن ليتظاهر أمامها ضد صدام ليس لأنه تخلى عن قِيَم القادسية بل لأنه حرمهم من الانتفاع غير المشروع من نتائج خطيئة أم المعارك !

        أخيرا أختم بعبارة رائعة استوقفتْني لِدولة عمر منيف الرزَّاْز رئيس وزراء الأردن حين قال مخاطبا الجماهير عبر تويتر : " تعادلنا في الملعب وخسرنا في المدرَّجات " ، فكانت تغريدة الرزَّاْز المقتضبة أسلوبا نادرا ما نجد مسؤولا عربيا يخاطب الشعب عبره لِيستثير فيه نزعة الحياء خاصة وأَن الجماهير الكويتية ردت بسلوك حضاري على الشرذمة التي لا تمثل الأردن عندما نظفت أماكنها في المدرجات بعد المباراة ، فلِلَّه دَرُّ الجماهير الكويتية ولِلَّه دَرُّك يا عمر الرزَّاْز .