الرئيس الراحل المهيب الركن صدام حسين
لن نبدأ رسالتنا هذه لك بالتحية؛ فما فعلته تجاه بلدنا وشعبنا غرس في نفوسنا جرحا لن يندمل رغم كل ما جرى بعد اندحار قواتك من وطننا وانكشاف حقيقة الكثيرين من خصومك الذين لا تختلف عقليتهم الاستبدادية عن عقليتك إلا في كونك أجرأ منهم وأكثر تهورا وقسوة حينما تتخذ قرارات صعبة.
كما لن نصفك بالشهيد إذ لا يمكننا إطلاق هذا الوصف عليك بعدما فعلته ببلدنا وشعبنا رغم أن لحظة إعدامك مثلت مشهدا من أندر مشاهد شجاعة مَن تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم وأثار تعاطف كثيرين معك في هذا المشهد كان منهم مَن سبق له شتمك والهجوم عليك اتباعا لولاة أمورهم.
سيادة الرئيس: لقد كُنتَ تتبنى منهجا وسلوكا غير مقبول بالنسبة لنا منذ البداية ولم يقربنا منكَ في ثمانينيات القرن الماضي إلا التهديد المشترك الذي مثله الخميني حينما رفع شعار تصدير الثورة وبدأ فعليا في تطبيقه على أرض الواقع، فكان أن أثارت وقفتك بوجه المد الإيراني إعجاب الكثيرين منا ليس حبا في جذورك البعثية ولا في أسلوب حكمك وإنما لأنكَ مثلتَ لنا الذراع القوي الذي يشعرنا بالأمان في ظل خيبتنا وفشلنا في تكويين قوة نحمي بها أنفسنا وتبنينا لفكرة قتال الآخرين نيابة عنا!
انتهت حربكم مع إيران يا سيادة الرئيس وبدأت معها نهايتها حقبة جديدة كنتم أبطال مشهدها حينما أظهركم الإعلام المطبل لكم وفي مقدمته إعلامنا في صورة المنتصر في حين أن الحقيقة على أرض الواقع كانت قد قالت بأن ست سنين من أصل سنوات حربكم الثماني مع إيران كانت على حدود العراق وكنتم فيها تصدون هجمات الفرس التي كادت تجتاح العراق وتنهي حكمك كما كان يريد الخميني لولا مليارات تجار البترودولار الذين نصبتكَ خيبتهم محاربا عنهم بالإنابة.
لقد تغيرت استراتيجية لاعبي السياسة في إيران يا سيادة الرئيس؛ واستطاع الداهية رفسنجاني بقليل من الجهد إيهامكَ بأن بوصلة الأطماع الفارسية قد حولت اتجاهها عن العراق، وبدت الصورة كما لو أنكَ كُنتَ تتمنى أن تصدق هذا الوهم رغم كل ما جرى وكان قبل وبعد الثاني والعشرين من سبتمبر عام 1980 م، لقد اتضح أنك يا سيادة الرئيس كُنتَ تفكر بتجاوز خط الحدود الجنوبي أكثر من تفكيركَ بحماية خطها الشرقي؛ إذ كانت الجارة الجنوبية الصغيرة الضعيفة (الكويت) تمثل حلم ومطمح العسكر الذين تسلطوا على العراق منذ الرابع عشر من تموز عام 1958 م.
يا سيادة الرئيس: لقد أعقب وقف إطلاق نار حرب السنوات الثمانِ مع الدولة الفارسية قرار أخرق أو ربما مغرض اتخذه مسؤول كويتي لا يقل عنكَ طمعا وجشعا لكنه أكثر منكَ ذكاء، قرار قضى بزيادة إنتاج البترول على غير ما كانت تقتضيه مصلحة الكويت، لكن الكويت لم تكن وحدها التي رفعت الإنتاج ولم تكن مسألة الإضرار بالعراق تحديدا هي الهدف كما ادعيتَ؛ ولو أن رفع الإنتاج كان هو المشكلة لكُنتَ اتهمتَ مَن كانوا قُبيل الثاني من آب أغسطس عام 1990 م أقرب لكَ منهم إلى الكويت!
يا سيادة الرئيس: لقد قرأتم المشهد تحت تأثير تلمظكم لابتلاع الكويت خطأً وظننتم أن مَن كانوا على غير ود مع جيرانهم الكويتيين يمكن أن يقبلوا بسيطرتكم على 10 بالمئة من احتياطي البترول العالمي إضافة إلى العشرة بالمئة التي تختزنها أرض العراق لتساويهم في السوق النفطية وتناكفهم في منظمة الأوبك، وظننتم أن أعداء الأمس الذين ابتلعوا الفاو وضموها إلى كيانهم حتى في مسابقات كرة القدم يمكن أن يقبلوا بالعودة إلى اتفاقية الجزائر المذلة وتضحيتكم بسيادة العراق على كامل شط العرب والتضحية أيضا بدماء العراقيين التي ذهبت هدرًا دون طائل!
في ظل تلك المعطيات لم تنظر يا سيادة الرئيس إلى وقفة جيرانكَ الكويتيين معكَ إبان حرب السنوات الثمانِ بشهامة الإنسان العربي النبيل؛ ولم تنظر إلى مصلحة العراق الشعب والدولة بعين السياسي الحكيم، فلم تركن إلى استخبرااتكَ ومستشاريكَ أو إلى العقول العراقية المبدعة في دراسة خطوة اجتياح الكويت وإنما كُنتَ تفكر فقط بموقف الأمريكان الذين كانوا يتابعون عن كثب ما كان يجري ويبحثون عن سبب لإنزال قواتهم البرية في المنطقة ليسيطروا مباشرة ليس على ثرواتها فحسب وإنما على القرار السياسي لدولها أيضا، فكان من السهل على السفيرة الأمريكية في بغداد مخادعتكَ والإيحاء لكَ بإمكانية هضم الكويت بسهولة بعد ابتلاعها لتصبح جزء من النسيج العراقي الذي ابتلعتَه أنتَ أيضا حينما جعلتَ كل شيء في العراق ينطق باسمكَ فقط واختزلتَ حضارة بلاد الرافدين بشخصكَ فقط!
سيادة الرئيس: لقد سولت لكَ نفسكَ المُشبعة بالطمع اتخاذ قرار مستبد لم يكن في مصلحة العراق أبدا، فكان يوم الثاني من آب أغسطس عام 1990 م يوما فقد فيه العراق قبل الكويت سيادته ووضعه الطبيعي كدولة ولم تعد له سيادته حتى اليوم، فسقوط بغداد الحقيقي تم حينما سقطت الكويت بيد قواتكَ لا لشيء إلا لأنكَ قد وقعتَ في الفخ وليست المشكلة وقوع شخصكَ لكن العراق كله قد وقع في الفخ ففقدناه كعامل توازن في المنطقة وتبخرت كل مكتسبات ما كُنتَ تسميها القادسية وأصبح اسم الخميني يرفع عرى الرؤوس في بلدكَ بينما تُلعن أنتَ فيها ليل نهار، كل ذلك كان يمكن تفاديه لو أنكَ قرأتَ الواقع بشكل صحيح واستملتَ الكويت تجاهكَ بدل غزوها والتنكر لمعروفها.
سيادة الرئيس: رغم كل ما تمر به بلدنا اليوم من أوضاع وظروف سلبية جعلت بعضنا يشعر بأن الكويت عادت بعد تحريرها من براثن قواتكَ المحتلة أسوأ مما كانت قبل الثاني من آب أغسطس عام 1990 م بسبب سرقة أحلام الشرفاء من أبنائها بتصحيح ما كان من اختلال فيها قبل الغزو إلا أننا لم ولن نندم على موقفنا الرافض لاحتلالكَ بلدنا لأنكَ أصلا كُنتَ وزبانيتكَ تشكلون عصابة محتلة حتى لبلاد الرافدين ذاتها، لكننا وللأمانة نجد أنفسنا مضطرين للاعتذار لروحكَ رغم عدم احترامنا لذكراكَ! ؛ نعم يا سيادة الرئيس فقد نسبنا أكثر انحرافاتنا في إدارة شؤون بلدنا بعد يوم تحريرها المَجيد في السادس والعشرين من شباط فبراير عام 1991 م لغزوكَ الآثم واحتلالكَ الغاشم، ولأن الحقيقة التي يشهد بها واقعنا اليوم في الكويت تقول بأنكَ بريء مما تشهده ساحتها السياسية فنحن نعتذر إلى روحكَ رغم أننا لا يمكن أن نسامحكَ على ما فعلتَ في بلادنا؛ إلا أن ما أحدثناه فيها بعد اندحار قواتكَ منها وعودة ساستها الذين فشلوا في إدارة الأزمة معكَ مثلما فشلتَ أنتَ في قراءة معطياتها كان أكبر بكثير مما فعلتَه أنتَ، فنحن لم نحاسب مَن كانوا شركاء لكَ في إثم ما حل بالمنطقة كلها وليس بالكويت والعراق فحسب؛ ونحن لم نقتص ممَن كان شريكا لكَ في نهب الكويت وألبسناكَ وحدكَ التهمة في حين أننا رفعنا قدر شريككَ في النهب وجعلناه سيدا من ساداتنا!
سيادة الرئيس ونحن نستذكر في هذه الأيام تحرير بلادنا من براثن احتلال قواتكَ نشهد بأنكَ لستَ المسؤول عن تعطيل تنميتنا ولا عن ضياع استثماراتنا ولم تتآمر على وحدتنا الوطنية التي كانت وقفتنا ضد عدوانكَ علينا آخر مظاهرها حتى باتت جزء من الماضي الذي نتغنى به كما يتغنى العرب بمجدهم الذي ضيعوه في الأندلس!
بقي أن نقول لكَ يا سيادة الرئيس بأنه لو كان قد قُدر لنظام حكمكَ أن يستمر حتى عام 2011 م لثار عليكَ شعب بلاد الرافدين كما ثارت باقي الشعوب العربية على الطغاة في بلدانها ولكان خصوم الأمس الذين انطلقت من أجوائهم وأراضيهم الصواريخ والطائرات لضرب حصونكَ هم ظهيركَ الذي يساندكَ في مواجهة شعبكَ، لكن رعونتكَ وخبث نفسكَ واستهانتكَ بشأن جارة الجنوب التي تطفو على بحيرة من النفط اجتمعت فشكلت سبب المصيبة التي يعيشها العراق اليوم في ظل احتلال إيراني عملي ما كان ليحدث لولا خطيئة الثاني من آب أغسطس عام 1990 م ، أما نحن في الكويت فإننا نعيش شكلا جديدا من أشكال التحدي هو أصعب بكثير من وقفتنا الرافضة لغزوكَ وعدوانكَ ونحن نرى كيف أن كل ما اتفقنا عليه أثناء جثوم احتلالكَ الغاشم على صدورنا قد ذهب أدراج الرياح؛ لكننا لن نسمح لكَ بأن تجعلنا نندم على رفضنا التعاون معكَ وسنظل متمسكين بنفس الروح التي جعلتنا نتحدى جبروتكَ وطغيانكَ، والله أكبر وليخسأ الخاسئون!