سحابة الأزمة الخليجية الحالية داكنة طويلة الأمد أبرقت وأرعدت ثم أمطرت وسائل الإعلام بشقيه التقليدي والجديد بأقبح صور التراشق في تاريخ الخلافات العربية العربية ، لكن الأخطر في تداعياتها هو تأثيرها السلْبي على اقتصاديات دول المنطقة كافة .
منذ اللحظة الأولى لانطلاق شرارة هذه الأزمة ونحن نعلم أنها غير تقليدية وأنها لا يمكن أن تحل بحب الخُشوم لأنها حصيلة تراكمات سنين أعقبت مباشرة النتيجة الأخطر لفشل ما كان يعرف بمجلس التعاون الخليجي في معالجة كارثة احتلال الكويت وأعني بها التواجد الأمريكي المباشر على البر الخليجي وتعاظم دور الكيان الفارسي المسمى إيران في المنطقة ، فلقد كانت حادثة الخفوس عام 1992 أول إشارة على تبدل الصورة النمطية للوضع السياسي الذي كان قائما بين دول الخليج العربية قبل عام 1990 حين كان الراحل سعود الفيصل يرحمه الله يتفاوض مع القوى الدولية باعتباره وزير خارجية كل تلك الدول وليس السعودية فحسب ، وما بين واقعة الخفوس وما نشهده اليوم حدثت أمور وأمور لم تكن قطر عنوانها الوحيد وأن كان هو الأبرز في عناوين مجريات ما حدث وصولا إلى الأزمة الخليجية الحالية المرشحة لإفراز أزمة أخرى ما لم يتم احتواؤها .
أيًا كان مقصد الأمير محمد بن سلمان حين جاء على ذكر قطر ضمن الدول ذات الاقتصاديات المتطورة ونظرته التفاؤلية لمستقبل المنطقة فإن تصفيق الحضور له حين ذكر قطر رغم الخلاف يؤكد أن كوامن نفوس أهل الخليج العربي وعموم شرفاء العرب من مشرق وطننا العربي إلى مغربه تتلمس أي بارقة أمل لإنهاء هذه الأزمة ، وحدهم المرتزقة الذين اقتاتوا على تبعات خلاف أبناء العم هم الذين لا يريدون انقشاع السحابة السوداء التي أتخمت جيوب بعضهم بأموال سحت ومنحت آخرين شهرة غير مستحقة ، لذلك تجب قراءة رسالة كلمة ابن سلمان وينبغي فهمها من خلال ما عبَّر عنه تفاعل الحضور بالتصفيق من مشاعر مفادها الرغبة في إزالة سحابة الشر السوداء من فوق خليجنا العربي قبل أن تُفرِّخ سحبا أخرى وليس من خلال تحليلات المرتزقة الذين يتحدث بعضهم عن مغازلة سعودية لقطر باعتبار المملكة في موقف ضعف كما يظنون وبعضهم الآخر يتحدث عن ضعف الموقف القطري نتيجة تغليب الحليف التركي غير الأمين لمصالحه مع السعودية على مقتضيات زواج المتعة مع قطر !
المطالبة باعتذار خصوم قطر لها غير منطقية لأن جزيرتها آذت بلسانها الحاد دول حصار أو مقاطعة الدوحة وغيرها من الدول كما أن تمسك خصوم قطر بالشروط الثلاثة عشر وفق الصيغة التي تم إعلانها مع بداية الأزمة غير واقعي وغير منصف لأن الدول لا تقبل صيغة الإملاءات في علاقاتها السياسية ، فالحل هو الحوار بملاءة شعبية حيث يجب أن يتم فورا وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين فرقاء الأزمة واستبدالها بحديث حول انعكاساتها السلْبية على دولنا اقتصاديا واجتماعيا وإبراز وجوه عربية خليجية من أهل المنطقة لتتبنى هذا الطرح وتضيف إليه المكاسب المرجوة من انقشاع السحابة السوداء ، وفي ظل هذه الأجواء يتفاوض القادة بشأن بناء أسس صحيحة للعلاقات البينية الخليجية ويتوقف اَلدَّهْماء عن التشاتم عبر ما تسمى وسائل التواصل الاجتماعي ، أما الأطراف غير الخليجية وأولها مصر فيجب إرساء أساس لعلاقة خليجية مشتركة معها بناء على عدم التدخل في الشؤون الداخلية أو العلاقات الإقليمية لأي من الدول والتعاون المثمر في مجال الاقتصاد من خلال استثمار تستفيد منه الشعوب لا هِبَاْتٍ تسرقها العصابات ، أما جماعات الإسلام السياسي وأولها الإخوان فيجب إقصاؤها عن المشهد فورا واجتثاث أفكارها الضالة التي اِسْتَشْرَتْ في مجتمعنا الخليجي لصالح تعزيز الولاء للأوطان ورموزها ؛ ويجب على تلك الرموز أن تتعامل مع مسؤولياتها تجاه بلدانها كقادة دول لا كرؤساء مجالس إدارات شركات غاز وبِتْرول .
هذا هو الإطار العام الذي يمكن من خلاله حل الأزمة الخليجية وتفادي أزمات غيرها في المستقبل انطلاقا من الرسالة التي وصلتنا من ابن سلمان بغض النظر عن تفاصيل ما قصده سموه الكريم .