الأربعاء، 10 يناير 2024

خيبة المجتمع بين عار الطلاق ونار العنوسة !

        مجموعة مطلقات وعوانس ! ، صفة كُنا نسمعها كإدانة للعضوات الفاعلات في الجمعية النسائية الثقافية في بلادنا من الذين لا يحبون تلك الجمعية والقائمات عليها ، وللوهلة الأولى سيتبادر إلى الأذهان أن هؤلاء الكارهين للجمعية النسائية مجموعات دينية وقبلية فقط لا غير ولكن الحقيقة أن المجموعات القبلية في تلك السنوات الغابرة لم تكن ذات حضور في المشهد الاجتماعي والبارزين منهم آنذاك كانوا بمثابة خدم للسلطة الحاكمة ولا دور لهم غير ذلك ، أما التيار الديني فكان له دور في هذا الهجوم نعم ولكنه ليس الوحيد ولا حتى الأبرز في ذلك الزمان إذ أن قوة التيار الديني لم تبرز بشكل مؤثر إلا مع إطلالة عام ١٩٧٩ وهي السنة الزلزالية التي تغير فيها وجه المنطقة كلها وليس بلدنا وحده .

 

 

        الحقيقة أن مَن كانوا يطلقون تلك الصفات كإدانة للفاعلات في الجمعية النسائية كانوا بعض التقليديين المحافظين من كبار السن إضافة إلى صوت ضعيف للتيار الديني ولكن الطرف الأبرز الذي كان حاقدا على الجمعية النسائية هم جماعة من المتحررين والمتحررات لكنهم ينتمون للطبقة الوسطى وكانوا يرون في الفاعلات من عضوات الجمعية النسائية مجموعة من المتكبرات اللائي يحتقرن معظم أطياف الشعب وأنهن إنما يتاجرن بقضايا المرأة حتى يحققن البروز والظهور المجتمعي وربما منافع مادية عبر الاستفادة من فعاليات الجمعية ونشاطاتها ، هكذا كانوا يرونها ونحن لا نملك دليلا على تجاوزات مالية حدثت إنما الشعور بالغطرسة لدى بعض الفاعلات في تلك الجمعية لاحظناه عبر ظهور بعضهن على شاشات التلفاز وخطاب بعضهن عبر مايكروفونات الإذاعة .

 

 

        كيفما كانت التفاصيل فإنه من غير المقبول أن نجعل من تعرض المرأة للطلاق أو عدم حصولها على نصيب في الزواج صفة إدانة وانتقاص ، فالطلاق وارِد على كل أخواتنا وبناتنا وحتى أمهاتنا إذا تعذر استمرار الحياة الزوجية لأي سبب حفظ الله على الجميع استقرارهم أزواج وزوجات ، والزواج من عدمه هو من الرزق الذي قدره رب العالمين وليس بالضرورة أن يصبح الزواج سترا للمتزوجات كما هو شائع ولا أن يصبح عدم الزواج سببا لفقدان غير المتزوجة سترها وعفافها .

 

 

        المجتمعات المتخلفة لا تعلم أنها بمثل هذا السلوك الغبي تجاه المرأة إنما تعزز حضور التنظيمات النسوية في المجتمع وتقدم شهادة تزكية لكل امرأة لا يجد المجتمع ما يدينها به إلا أنها مطلقة أو عانس مع التحفظ على هذا المصطلح المسيء ، فحينما لا تجدون ما تنعتون به الفاعلات من عضوات الجمعية النسائية إلا كونهن مجموعة عوانس ومطلقات فهذا يعني بالضرورة أنهن قد انتصرن عليكم في معركة الفكر وفي ميدان الفعل ، ولو أن مَن كانوا يهاجمون الفاعلات من عضوات الجمعية النسائية باعتبارهن عوانس ومطلقات دخلوا مطارحات فكرية معهن لوجدوا الكثير مما يمكن أن يؤخذ على فكرهن وأدائهن وتقصيرهن في خدمة قضايا المرأة لكنها خيبة المجتمعات المتخلفة التي تلازمها كلما كانت المرأة هي العنوان .

 

 

        مخلص الكلام هو أن انتقاص المرأة لكونها مطلقة قد أدى مع الوقت إلى ردة فعل مفادها انتقاص قيمة الأسرة والأمومة لدى كثيرات من نسائنا حتى صار طلب الطلاق والدخول في معارك المحاكم على إثره أسهل عندهن من شرب الماء ، أما انتقاص المرأة بسبب عدم حصولها على نصيب في الزواج فقد أدى مع الوقت ومع معاينة كثيرات من غير المتزوجات لمشاكل الأخوات والقريبات والصديقات إلى تنامي قناعة مفادها أن الزواج هَمٌ ونكد وأن صاحبة الحظ هي التي لم تتزوج وليس العكس ما أدى في النهاية ببعضهن لاتخاذ قرار عدم الزواج مسبقا وغلق الباب أمام أي خاطب محتمل من البداية !

 

 

        هل بعد هذه النتيجة المترتبة على تعامل المجتمع المتخلف مع المرأة سيتعظ هذا المجتمع أَم أن فقدان التوازن صار مما عمت به البلوى فلم يعد أحد يشعر بوجود مشكلة أصلا حتى يبحث عن السبب والمسبب ؟ ، الجواب هو ما نعيشه اليوم ونعايشه مما لا يحتاج إلى الكتابة عنه وإنما التحرك بجدية للتعامل معه .