الثلاثاء، 7 فبراير 2023

الخطيئة الناضجة !

        وسائل التواصل الحديثة فتحت آفاقا أرحب وأكثر خصوصية لتواصل الناس ببعضهم ، فكل منا قادر على إيجاد وإدارة علاقات افتراضية مع الأباعد قبل الأقارب دون أن يفطن لذلك أحد ، وعليه فإن التسلط على أي شخص بغية منعه من التواصل مع فلان أو فلان صار أمرا متعذرا .

 

 

        هذا الفضاء المفتوح لم يعد بالإمكان فيه وضع المحاذير في علاقات الجنسين بمختلف الأَعمار ؛ ونحن لا نختلف في أن أي شكل من أشكال علاقات التسلية العبثية بين الجنسين محرم مُجَرَّم سواء وقعنا فيه أَم رحم الله مَن شاء مِنا وعصمه منه ، ولكن مع ذلك فإنه من العبَث أيضا افتراض المثالية في الناس وإمكانية تسييرهم على الطريق المستقيم الذي يحيد عنه معظم المُمَظِّرين له ، فحينما يتلقى أي مِنا طلبَي صداقة عبر الفيسبوك مثلا أحدهما مُذَيَّلٌ باسم ذكر بينما الآْخَر بتوقيع أُنْثَوِي فَحَتْمًا سيكون التوقيع النسائي ملفتا لانتباه متلقي الطلب الرجل والعكس صحيح .

 

 

        بالرغم من تلك الثوابت التي لا نجادل حولها إلا أن تطور العلاقة بين رجل وامرأة عبر العالم الافتراضي من مراسلات واتساب أو لايكات فيسبوك أو ريتويت عبر تويتر إلى إعجاب ثم زواج يمكن أن يجعل من تلك العلاقة التي يعلن معظمنا رفضه لها وإن كان يمارسها أو يلهث باحثا عنها خطيئة ناضجة !

 

 

        نعم هي خطيئة ناضجة إذ أن الطرفَين في هذه العلاقة اِنْجَذَبَاْ لبعضهما من خلال تَلاقٍ فكري ربما يكون سببا في إنجاح إدارتهما لعلاقتهما الزوجية ، وقد يقول قائل بأن الطرفين أو الذكر منهما خاصة قد يُمَثِّلُ على الأُنْثى بُغية الوصول إلى غاية معلومة وهذا أمر وارد ؛ لكن غالبا وبنسبة ٩٠ بالمئة فإن مَن يمارس التمثيل في مثل هكذا علاقة لا يريد الزواج فهو لا يحترم الطرف الآْخَر فضلا عن الارتباط به .

 

 

        هذا الواقع الذي أفرزته التقنية الحديثة في مجتمعنا رغما عن ثوابته أدى إِلى جدل قد يهز أركان هذه الثوابت تدريجيا ومفاد هذا الجدل هو أن علاقة التلاقي الفكري بين رجل وامرأة لا يكتنفها الابتذال لا ينبغي تحريمها لأن المرأة والرجل فيها لا يَعيشان الخلوة وليس الميل الجنسي ومترتباته هو موضوع التلاقي الفكري الذي جمعهما ، وإذا تَمَخَّضَتْ مثل هذه العلاقة عن علاقة متينة مقدسة وأعني بها الزواج فإن النضج الذي جمع طرفَي العلاقة قبله كفيل بإنجاح علاقتهما المقدسة بعده ، فهل هذا صحيح بالضرورة ؟

 

 

        إذا قلنا بأنه صحيح فإن الثوابت الاجتماعية المُعلنة التي تمنع علاقات الجنسين تراسلا وتواصلا ستضمحل مع الزمن ، وإذا قلنا بأنه غير صحيح بسبب أن مشاعر أصحاب كل أشكال العلاقات الإنسانية عُرْضَة للأَغيار وأن مَن يتفق مع صديق أو تتآلَف مع زميلة أو يرتاحان لبعضهما كَزَوْجَين اليوم قد تنفرط عُرى علاقاتهم جميعا غدا ، والحقيقة أن هذه الأَغْيار قابلة للحدوث وحدثت في كل أشكال علاقات البشر منذ أن قتل قابيل هابيل وحتى قيام الساعة وعليه فإنه وحتى إشعار آْخَر ستظل غالبية أفراد مجتمعاتنا تتبنى في العلن رفض العلاقات الإلكترونية بين الرجال والنساء لكن هؤلاء الرافضين هم أنفسهم الذين سيباركون نجاح أي زواج يتمخض عن مثل هذه العلاقات باعتبارها خطيئة ناضجة .

ليست هناك تعليقات: