الأحد، 4 يونيو 2023

الكويت بين محاربة رشوة المال وشرعنة رشوة المنافع !

        تتوالى هذه الأيام وكالعادة أخبار اصطياد الراشي والمرتشي والرائش في الشكل المباشر لشراء الأصوات ، ولسنا بحاجة للحديث في حرمة هذا الفعل المشين الذي لعن الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كل أطرافه ، هذا فضلا عن أن استخدام رمزية المصحف الشريف كضمانة بين الملعونين فعل كفري قد يفضي إِلى الخروج من الملة كونه استهزاءً بكتاب الله عز وجل .

 

 

        يحلو للبعض التشكيك في نوايا وزير الداخلية طلال الخالد وهو يتابع هذه الجهود الخيرة للقبض على المجرمين قانونا والملعونين شرعا ، لكننا لا نجد مسوغا لهذا التشكيك لأن وزير الداخلية يعمل بنسق غير مسبوق على فرض هيبة القانون في كل الملفات ما وسعه ذلك مع علمنا أن في طريقه خطوطا حمرا ندعو الله أن يزيلها ويزيل مَن وضعها ، لكن الفاسد حين يتضرر من تطبيق القانون ليس أمامه إلا حرب التشكيك في النوايا والطعن في أصحابها .

 

 

     مع كل ما ذكرناه وغيره مما يضيق عنه المقام إلا أن هناك نوعا من شراء الأصوات ليس بمقدور وزير الداخلية محاربته لأنه يرتبط بمنهجية عمل السلطة الحاكمة كمَنْظومة متكاملة وأعني بها مطالبة الناخب للمرشح بتحقيق منافع غير مشروعة له أو لأقرباءه وأهله فيعمد المرشح قبل النجاح أحيانا وبعده أحيانا أخرى إِلى السعي باتجاه مخالفة القانون وتحقيق تلك المنافع غير المشروعة عبر وزارات ومؤسسات الدولة ، وهذا يعني أن ذلك النوع من الرشوة لا يتم إلا بتوقيع مسؤول حكومي إكراما للراشي وهو المرشح وتنفيعا للمرتشي وهو الناخب فيكون المسؤول الحكومي بصفته لا بشخصه هو الرائش مما يعني أن الدولة كلها ممثلة فيه ستدخل في دائرة اللعنة إذا عَلِم صُناع القرار فيها بما جرى ورضوا به وسكتوا عنه !

 

 

        هذا النوع من شراء الذمم أخطر من الشراء المباشر لها عبر المال ذلك لأن افتضاح أمر الراشي والمرتشي والرائش عبر الوسيلة المباشرة وهي دفع المال فيه تشويه سمعة اجتماعيا ، أما شراء الذمم عبر تسهيل المنافع غير المشروعة فقد يهضمه المجتمع باعتباره بطولة من المرشح خاصة إذا كان المستفيد من المنفعة اللا مشروعة ابن عم أو قريب ، والأَخْطَر من ذلك هو وصف المرشح أو النائب الذي يرفض القيام بهذا الدور المشين بأنه متخاذل أو بالمحلي ( ما فيه خير ) وهو ما يعني تبني الفكر الجمعي لمبدأ شرعنة شراء الذمم وهو ما قد يُدْخِلُ المجتمع كله في دائرة الملعونين المرتكبين للفعل المشين أو المشجعين عليه وفي أحسن الأحوال الشياطين الخُرْسُ الساكتين عن الحق !

 

 

        المسؤول الأول عن شيوع هذا النوع الخطير من الرشوة هو السلطة الحاكمة لكن ذلك لا يعفي الراشي والمرتشي كأفراد من المسؤولية فيوم القيامة كل منا سيأتي الرحمن فردا ، فليحذر مَن يطلب المنفعة اللا مشروعة وليحذر مَن يتوسط لتحقيقها وليحذر من يوقع على قرار تنفيذها ، وليحذر أكثر المجتمع الذي يعتبر ذلك خدمة مشروعة وأن عدم أدائها هو العيب فهذا يعد بكل صراحة تحديا لله ورسوله .

 

 

        أَلا هل بلغت ؟ : اللهم فاشهد .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أحسنت جدا جدا ، كتب الله لك الأجر